كثيرًا ما يتردد على اسماعنا هذه الأيام مفهوم الحكومة المفتوحة (Open Government) والذي يشير إلى انفتاح الحكومات على شعوبها من خلال تعزيز مبدأ الشفافية التامة فيما يصب في مصلحة الأوطان والشعوب، ومن أبرز المفاهيم الرئيسية لمنهج الحكومات المفتوحة هو مفهوم «البيانات الحكومية المفتوحة»، والذي يتكون من جزئيتين تشرحهما الأجندة الرقمية للمفوضية الأوروبية، فالجزء الأول هو خاصية البيانات الحكومية التي تنتجها أو تجمعها المؤسسات الحكومية. أما الجزء الثاني فهو خاصية «المفتوحة» والتي تعني أنه بإمكان الجميع الوصول إلى هذه البيانات وإعادة استخدامها بسهولة ويسر، وبلا قيود، ويبدو أن تمكن الجمهور من الاطلاع على البيانات الحكومية ليس بالأمر الجديد إلا أن تقنيات الجيل الثاني (2.0 (Web أسهمت في زيادة مبدأ الانفتاح والشفافية في البيانات.
ولتوافر البيانات الحكومية الضخمة بصورة مفتوحة العائد الكبير على شرائح وقطاعات المجتمع المختلفة، فقدرت المفوضية الأوروبية العائد السنوي على اقتصادات دولها الأعضاء بسبب تبني سياسة البيانات الحكومية المفتوحة بنحو 140 مليار يورو سنويا، وهذا ما دفع السيدة نيلي كوريس نائب رئيس المفوضية الأوروبية إلى تسمية البيانات المفتوحة بـ«النفط الجديد»، فالبيانات الحكومية المفتوحة تجعل الحكومات تسلط الضوء على جوانب قد تكون خافية عليها فتسهم في زيادة العائدات وخفض التكاليف، فعلى سبيل المثال، بعد نشر الحكومة البريطانية سجلات العقود لاحظ مسؤولون في عام 2010 تكرار التقارير التحليلية في مشتريات عدة إدارات حكومية، وهو ما كلف الحكومة ما لا يقل عن ستة ملايين دولار، كما أن نشر البيانات المفتوحة تسهم في مكافحة الفساد، فعلى سبيل المثال اكتشفت مؤسسة «آي إم سي أوIMCO » البحثية في المكسيك أن ما يزيد على 1400 مُعلم قد وُلدوا في اليوم نفسه من عام 1912، ما يُشير إلى فساد في التوظيف، ما جعلهم يعملون على تطهير لائحة الموظفين والأجور من شخصيات وهمية، ناهيك عن استفادة الشركات الخاصة من البيانات المفتوحة، ومنها موقع «زيلو»Zillow للعقارات، وشركة «جارمين» Garmin التي تُوفر أجهزة وبرمجيات للملاحة استنادًا على البيانات الحكومية المجانية وتُقدر قيمتها بسبعة مليارات دولار، كما أن توافر البيانات الحكومية المفتوحة يتيح للجميع المشاركة في الارتقاء بأداء القطاع الحكومي وتقليل الجهد والوقت والكلفة، فعلى سبيل المثال لاحظت سلطات مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية أن نشرها بيانات المواصلات العامة قلل عدد الاستفسارات الهاتفية، ما وفر للمدينة أكثر من مليون دولار خلال عام 2012، إضافة إلى ذلك وجود بيانات حكومية مفتوحة يكفل توافر مصادر غنية بالمعلومات يستقي منها الباحثون للتوصل إلى نتائج تنموية مبنية على حقائق موثقة ودقيقة كفيلة بأن تصب في بناء الأوطان وزيادة تنميتها.
استنادًا على ما تم ذكره من أمثلة، نرى أن تبني مفهوم البيانات الحكومية المفتوحة بالفعل قد يسهم في أداء دور النفط فيما يقدمه من آفاق جديدة للنمو الاقتصادي والارتقاء بمستوى الأداء الحكومي، فالسؤال هنا كيف يمكن الاستفادة منها في دولنا ليكون لهذا مثل هذا الدور؟
د. حياة علي
أستاذ مساعد بكلية تقنية المعلومات
الاثنين ١٠ يوليو ٢٠١٧ - 01:01
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق