بقلم / شيماء العلي
قيل
إنها أقوى مادة سبق أن جرى قياس قوتها ، وهي تُعتبر شكلا لهذه المادة أكثر
تطورا من مادة السليكون ، وقد تكون بديلا لها في المستقبل ، وأهم مادة
موصلة عرفها الإنسان في تاريخه ، فما خصائص هذه المادة ؟ ومن العالم الذي أجرى بحوثاً عليها ؟
لطالما
"دوَّخت" خصائصها الباهرة العاملين في مجال العلوم الذين أجروا بحوثا على
المادة ، وهو أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة كولومبيا ، جيمس هون : "
يثبت البحث الذي أجريناه أن الغرافين هي المادة التي سبق أن جرى قياسها من
قبل ، فهى أقوى بـ 200 مرَّة من مادة الفولاذ " . وأضاف هون قائلاً : "
يحتاج الأمر إلى وقوف فيل على قلم رصاص لاختراق صفيحة من الغرافين لا
تتجاوز سماكتها سماكة رقاقة الساران التي تُستخدم في عمليات التغليف " .
وتثير الطريقة التي يمكن أن تستخدم وفقها هذه المادة دهشة الخبراء
والمختصين ، تماما كما تثيرهم الخصائص التي تتمتع بها . يقول الدكتور غيم :
" ليس لمادة الغرافين مجرَّد تطبيق واحد ، كما أنها ليست حتى مجرَّد مادة
واحدة فحسب . إنها طيف هائل من المواد . وأفضل مقارنة تساعدنا على فهم
استخداماتها هو مقارنتها بالاستخدامات الواسعة للبلاستيك " . وقد تم فعل
الكثير لمعرفة الإمكانيات المحتملة لاستخدامات الغرافين ، إذ يمكن
استخدامها لصنع أي شيء ، ابتداءً من المواد المركَّبة ، مثل كيفية استخدام
ألياف الكربون في الوقت الراهن مثلاً ، إلى الإلكترونيات .
ومنذ
اكتشاف خاصيات هذه المادة ، فقد حرص المزيد من العلماء على العمل على
مشاريع تتعلق بها . فهنالك الآن حوالي 200 شركة وجهة مبتدئة تقوم بدراسات ،
أو هي على صلة بدراسات تتعلق بالغرافين . كما أعدَّت حوالي ثلاثة آلاف
ورقة بحث بشأن هذه المادة خلال عام 2010 لوحده . والفوائد والمنافع التي
تجنيها هذه الشركات والجهات من هذه المادة واضحة جليَّة ، فهي تساعد على
أجهزة أكثر سرعة في الأداء وأرخص سعرا ، وأرقَّ سماكة ، وأكثر مرونة
وقابلية للاستعمال . ففي لقاء مع مجلة " تكنولوجي ريفيو " التابعة لمعهد
ماساتشوستس للعلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة ، قال البروفيسور جيمس
تور من جامعة رايس : " قد يمكنك نظريا أن تطوي جهاز هاتفك الجوَّال من
طراز آي فون ولصقه وراء أذنك كما لوكان قلم رصاص " . فإذا كان بالإمكان
مقارنة الغرافين بكيفية استخدام البلاستيك في أيامنا هذه ، فإن إنتاج كل
شيء ، من أكياس رقائق البطاطس إلى الثياب ، يمكن أن يتحول إلى عالم
التكنولوجيا الرقمية حالما يتم ترسيخ استخدام مثل هذه التقنية .
فقد
يشهد المستقبل وجود بطاقات إئتمان تحتوي على طاقة معالجة عالية كتلك
الموجودة بجهاز هاتفك الذكي في وقتنا الراهن . يقول جاري كيناريت ، أستاذ
التكنولوجيا في جامعة تشالمرز في السويد : " يمكن أن تفتح هذه المادة الباب
بشكل كامل أمام تطبيقات في مجال الإلكترونيات الشفافة والمرنة وتلك التي
قد تتمتع بسرعات فائقة أكثر بكثير مما هي عليه أجهزة اليوم " . وحتى أبعد
من تطبيقاتها الرقمية ، فهنالك ثمة مثال واحد آخر على استخدامات هذه المادة
، ألا وهو إنتاج مسحوق الغرافين الذي يمكن أن يُضاف إلى الإطارات لجعلها
أكثر متانة وقوة . وقد كانت شركة سامسونج واحدة من أكبر المستثمرين في مجال
البحوث المتعلقة بهذه المادة ، وذلك بالتعاون مع جامعة سانغيونغكوان في
كوريا الجنوبية . وقد عرضت الشركة مؤخرا شاشة مرنة تعمل باللمس قياس 25
بوصة وقد استُخدمت فيها مادة الغرافين .
جاري
كيناريت ، أستاذ التكنولوجيا في جامعة تشالمرز في السويد : " يمكن أن تفتح
هذه المادة الباب بشكل كامل أمام تطبيقات في مجال الإلكترونيات الشفافة
والمرنة وتلك التي قد تتمتع بسرعات فائقة أكثر بكثير مما هي عليه أجهزة
اليوم " . لكن شركات مثل آي بي إم ونوكيا كانت ضالعة في البحوث المتعلقة
بالغرافين ، إذ أنتجت آي بي إم جهاز بث إذاعي (ترانزيستور) بطاقة 150
غيغاهيرتز . وعلى سبيل المقارنة فقط ، نعلم أن أسرع جهاز يستخدم مادة
السليكون يعمل بطاقة قدرها 40 غيغاهرتز فقط . وقال الدكتور يو- مينغ لين من
شركة آي بي آي: " إذ ما تكلمنا بلغة السرعة ، فإننا حاليا لا نرى أي قيود
جوهرية بشأن السرعة التي يمكن للجهاز الجديد أن يصل إليها " . وأضاف : "
لقد واجهتنا مشاكل عدة يتعيَّن حلها ، لكنني لا أعتقد أن الأمر محدود
بالمواصفات الأساسية لمادة الغرافين " . وفي أوروبا ، فإن البحث المتعلق
بمادة الغرافين يحتل سلَّم الأولوية ، إذ أن هنالك سعيا للحصول على مبلغ
مليار يورو ( حوالي 1.5 مليار دولار أمريكي ) من المفوضية الأوروبية خلال
السنوات العشر المقبلة .
ورغم
كل الأموال التي يجري ضخها في مجال البحوث والاستثمار في تطوير مادة
الغرافين واستثمارات تطبيقاتها ، فإن العلماء يتعاملون مع الأمر بحذر ، لا
سيما مدى سرعة تحويل إمكانيات هذه المادة إلى واقع ملموس . يقول الدكتور
فيدون أفوريس من شركة آي بي إم : " سوف نكون أسعد أناس في العالم فيما لو
استطعنا استبدال السلكون . لكن الشيء الرئيسي هو أن نكون صادقين وألاَّ
نبالغ ، لأننا في الواقع يجب أن ننجز شيئا ملموساً " .
الغرافين يحدث ثورة في مستقبل صناعة الكمبيوتر
قرر
وزير الخزنة البريطاني استثمار 50 مليون جنيه استرليني في المادة التي
يُطلق عليها اسم " المادة العجيبة " ، المادة الرقيقة للغاية عبارة عن لوح
من ذرات الكربون يمكن استخدامها في صناعة الشاشات المرنة ، وتلفزيونات الحائط المسطحة وأسلاك الإنترنت وذلك بفضل أنها من الموصلات الممتازة .
العالمان
من جامعة مانشستر الإنكليزية اللذان اكتشفا تلك المادة حصلا على جائزة
نوبل تقديراً لجهودهما ، ويعملان حالياً على شرح كيفية استخدامها في صناعة
رقائق كمبيوتر شديدة النحافة وقوية الأداء .
وذكر
العالم ليونيد بونومارينكو المسؤول عن أبحاث الغرافين أن تلك المادة
يمكنها توصيل الكهرباء داخل الرقائق مضيفاً أن أهم ما في الأمر أنها لا
تتفاعل مع البيئة المحيطة بها .
قبل
ذلك كان من الصعب استخدام الغرافين نظراً لكونه شديد التقلب ، ووصفه
الفريق البحثي بالعقبة في طريق استخدام الغرافين في الإلكترونيات .
ويتوقع
الفريق أن تظهر أنواع جديدة من المقاومات الكهربية "الترانزستور" نتيجة
أبحاثهم على مادة الغرافين التي تستخرج من الغرافيت العادي المستخدم في
صناعة الأقلام الرصاص . ونظرا لكونه عالي التوصيل يمكن استخدامه في صناعة
رقائق الكمبيوتر ثلاثية الأبعاد حيث توضع طبقات من الغرافين فوق بعضها ما
يجعلها أول بديل قوي لرقائق السليكون ، وقد تقود لصناعة كمبيوترات أكثر قوة
وشديدة الخفة .
وذكر
ليونيد لصحيفة "ديلي ميل" أن صناعة أجسام متعددة الطبقات سمح لنا بعزل
الغرافين عن التأثير السيئ للبيئة والتحكم في الخصائص الإلكترونية للغرافين
، وهو ما كان مستحيلاً من قبل ، وأضاف غيم زميله في البحث أن الغرافين
المغلف بمركب نيتريد البورون يعد أفضل وأكثر طريقة متقدمة لصنع اللوحات
الإلكترونية ، ما يوضح مستقبل تلك المادة ويقضي على المشكلات الخاصة بعدم
استقرارها وجودتها ، مشيراً إلى أنهم أجروا تجارب على نطاق ضيق لكن الخبرة
المكتسبة أظهرت أن الغرافين يمكن استخدامه على نطاق واسع ، وأنه خلال عدة
شهور سيمكن صناعة مقاومات بخصائص أفضل من الموجودة حالياً .
يُذكر أن شركات الكمبيوتر العالمية مثل ( IBM ) تجري أبحاثها لصناعة رقائق إلكترونية باستخدام السليكون ، والتي يمكن للغرافين التفوق عليها من حيث الحجم والسرعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق