أثارت التظاهرات والاعتصامات الأخيرة في عمّان ومدن أردنية أخرى، الانتباه إلى الأوضاع المعيشية لغالبية الأردنيين. وقد يكون مشروع قانون لرفع الضرائب الحافز الأساسي لتلك الاحتجاجات، لكن تبقى هناك أسباب موضوعية لتردي الأوضاع الاقتصادية. فعندما يتم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أو أي مؤسسات مالية عالمية أخرى من أجل المساعدة في تمويل عجز الموازنة أو مواجهة العجز في ميزان المدفوعات لأي بلد، تواجه السلطات الاقتصادية مطالبات من هذه المؤسسات المالية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، بضرورة إصلاح السياسات المالية وتعديل الأنظمة الضريبية ورفع كفاءة جباية هذه الضرائب وأهمية خفض الإنفاق الجاري بما يشمل الرواتب والأجور لموظفي الحكومة والقطاع العام ناهيك بضرورة ترشيد الدعم بكل أصنافه.
لا شك في أن الأردن مر بتجارب من هذا النوع مع صندوق النقد الدولي قبل هذه التجربة، ولا بد أن يعمل على كسب ثقة هذا الصندوق وغيره من مؤسسات مالية دائنة ويتفاعل مع مطالبها. بيد أن هناك محددات سياسية واجتماعية تحول دون التطبيق المثالي لبرامج الإصلاح المالي والاقتصادي. وإذا حاولنا فهم الأوضاع الاقتصادية في الأردن، فإننا سنجد أن المصاعب التي تواجه السلطات هناك معقدة وغير محتملة، إذ يعتبر الاقتصاد الأردني من الاقتصادات الصغيرة الحجم ويعاني من شح الموارد الطبيعية والمياه، وقدّر ناتجه المحلي الإجمالي عام 2017 بنحو 40.5 بليون دولار. وبما أن عدد السكان يقارب 9.9 مليون، فإن معدل دخل الفرد السنوي يدور حول 4000 دولار. وخلال السنوات الأخيرة ومنذ بداية الصراع في سورية عام 2011، لجأ حوالى 1.3 مليون نازح من سورية إلى الأردن وشكلوا عبئاً اقتصادياً على البلد.
تُقدّر ديون الأردن بـ28 بليون دولار في نهاية عام 2017، ونظراً إلى محدودية المداخيل من العالم الخارجي وارتفاع عجز الميزان التجاري، فإن البلد يجد مصاعب في مواجهة خدمة الديون الخارجية. وتبلغ قيمة الواردات 17.6 بليون دولار حسب بيانات عام 2016 في حين لا تزيد قيمة الصادرات عن 7.7 بليون دولار، ما يعني أن عجز الميزان التجاري بلغ في ذلك العام ما يقارب 10 بلايين دولار. وتتشكل الصادرات الأردنية من المنسوجات والأسمدة الكيماوية والفوسفات والخضار والمواد الصيدلانية. أما الواردات فهي غالباً نفط خام ومواد بترولية مكررة وآليات ومعدات ووسائط نقل متنوعة، إضافة إلى الحبوب. وتمثل الولايات المتحدة والصين والسعودية والهند والعراق والأمارات والكويت أهم الشركاء التجاريين للأردن.
تعاني الموازنة الأردنية من عجز مزمن حاذ قدرت النفقات بـ11.8 بليون دولار في 2017، في حين لم تزد الإيرادات عن 9.2 بليون. بذلك، فإن العجز بلغ 2.6 بليون دولار ويمثل 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل الإيرادات الضريبية 22.6 في المئة من الإيرادات الإجمالية للخزينة العامة وتساهم المساعدات من الدول العربية والصديقة في مواجهة متطلبات الإنفاق في الأردن. يجد كثر من الأردنيين صعوبات في التوظف حيث قدرت نسبة العاطلين من العمل بـ16.5 في المئة من إجمالي قوة العمل. ونظراً إلى الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها الدول المضيفة اليد العاملة، خصوصاً منطقة الخليج العربي، فإن هناك عمالاً أردنيين كثراً عادوا إلى البلد خلال السنوات الأخيرة. وهكذا تراجعت تحويلات العاملين في الخارج وازدادت مصاعب المعيشة للأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود.
وهناك تقديرات بأن نسبة الذين يمكن أن يصنفوا تحت خط الفقر، بموجب معايير الأمم المتحدة، قد تصل إلى 15 في المئة من سكان البلد. وعندما يجتمع قادة دول الخـــليج مع العاهل الأردني لمواجــهة تبـــعات الأحـــداث الأخيرة وبذل جهود لتعويم الاقتصاد، فإن المعالجة المتوقعة ستكون للأجل القصير، لكن المعالجات المنهجية ستكون ضرورية وتتطلب، ربما، اتخاذ قرارات سيادية صعبة ومن المهم تهيئة الشعب للتكيف معها.
*كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق