◄| «شرق المتوسط» يشعل المنافسة الدولية على المنطقة
◄| تركيا ترتكب جريمة وتخالف القانون الدولي وتتحرش بقبرص
◄| إسرائيل ولبنان وحكاية الكتلة رقم9 الحائرة بينهما
لفتت الأحداث في البحر الأبيض المتوسط الانتباه إلى قضية حقول الغاز في هذا البحر، خاصة مع تدشين إنتاج حقل ظهر المصري العملاق، وتحرشات تركيا بالمنطقة الاقتصادية المصرية التي تقع فيها احتياطيات الغاز المصري بالمخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فضلا عن الحرب في سوريا.
وأيضاً النزاع اللبناني الإسرائيلي الراهن على ترسيم حدودهما البحرية وسباق التسلح البحري الذي تمارسه تل أبيب بحجة حماية حقولها ومياهها الاقتصادية، ودخول تركيا على خط النزاعات بسياسات مماثلة للممارسات الإسرائيلية حفاظا على مصالح مشتركة بينهما.. وقد دفع ذلك كله وسائل الإعلام الغربية إلى وصفها بأنها «حرب الغاز الأولى في الشرق الأوسط»..
ويفسر جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، لموقع «المونيتور» أسباب اهتمام القوى الدولية بالنزاع الدائر على غاز شرق المتوسط بأن «هذه الاكتشافات سوف تغير معادلة الطاقة في آسيا الوسطى وأوروبا، حيث إن الاحتياطيات ستفي باحتياجات المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء.
ويؤكد الخبير المصري، إن احتياطي الغاز في منطقة البحر الأبيض المتوسط ليس مطمعا فقط من قبل دول المنطقة، بل أيضا من قبل شركات النفط والغاز العالمية.
ويتفق المسح الجيولوجي الأمريكي مع هذه الرؤية، إذ يقر بوجود احتياطيات ضخمة من الغاز في شرق البحر المتوسط تقدر بحوالي 122 تريليون قدم مكعب.
الأمر الذي يجعل منطقة شرق البحر المتوسط من أكثر المناطق الواعدة لاستثمار الغاز ».
المشكلة الحقيقية يحذر منها حامد قرقر، نائب رئيس دائرة تخطيط الطاقة في وزارة التخطيط، في تصريح لموقع «المونيتور»: هي أن ترسيم الحدود لن يكون كافيا لوضع حد للصراع حول اكتشافات الغاز في البحر الأبيض المتوسط، حيث تقع خزانات النفط في هذه المنطقة في أعماق متفاوتة وبعض الاحتياطيات تمتد إلى الحدود الدولية.
وتقتضى هذه المسألة إقامة شراكات واتفاقات لتوزيع حصص الغاز في الخزانات المشتركة بين أكثر من بلد واحد، وتحديد الحدود بدقة لمنع أي خرق بين الدول المعنية».
نعرض في السطور القادمة تفصيلاً لأبعاد الصراعات والمنافسات الدائرة بين أطراف هذا النزاع، وأيضا الاتفاقات والتحالفات المعقودة بينهم.
برزت أحدث مؤشرات الصراع الإقليمي في الأسبوع الماضي مع التحرشات التركية بإعلان وزير الخارجية التركي أن مشاريع التنقيب عن النفط ستبدأ فورا في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تحديدا في المنطقة التي تقاسمت قبرص ومصر الحقوق فيها بالفعل.
وتواصل التحدي بإعلان الوزير التركي عدم اعتراف بلاده بالاتفاق الذي عقدته القاهرة مع نيقوسيا! وقد حذرت مصر على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أنقرة من أي انتهاك لحقوقها الاقتصادية في شرقي المتوسط الواردة بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها في 2013 مع قبرص والتي تسمح باستكشاف الغاز في المنطقة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد في بيان يوم 7 فبراير أن موقف الأتراك سوف يواجه بالرفض.
لا تخفى على المراقبين انعكاسات الموقف الأيديولوجي التركي المتعاطف مع الإخوان المسلمين وعداء أنقرة للشعب المصري وأن ذلك دافعها إلى تحرشاتها بها في مجال الغاز، وقد أشارت إلى ذلك بوضوح عدة دراسات أكاديمية وتقارير صحفية أجنبية.
كانت أنقرة قد أعربت في مناسبات عديدة عن معارضة لأعمال التنقيب عن الغاز والهيدروكربون في شرق البحر الأبيض المتوسط.
في الظاهر يبدو أن معظم الاعتراضات التركية موجه إلى قبرص، وقد طالبت تركيا بنصيبها في غاز المنطقة باعتبارها جزءا من شرق البحر المتوسط، بحجة أنها تقع على ما تعتبره الجرف القاري وأن تنمية موارد المنطقة يجب أن تقررها جميع بلدان المنطقة.
على أساس أن الحكومة القبرصية لا تمثل القبارصة الأتراك ولذلك تطالب بوقف الاستكشاف إلى حين التوصل إلى تسوية للجزيرة القبرصية.
المعروف أن تركيا لا تعترف بقبرص كدولة ذات سيادة وتعترف فقط بالمنطقة الإدارية القبرصية الشمالية أو قبرص التركية التي احتلتها القوات التركية منذ عام 1974.
المؤكد أن هذه الادعاءات التركية كفيلة بإطلاق العنان لحزم كاملة من المشاكل بينها وبين قبرص واليونان، وبين إسرائيل ولبنان اللتين تديران معركة مماثلة على حقول الغاز بينهما وتلعب تركيا فيها دوراً مؤثرا لصالح تل أبيب.
فمزاعم تركيا في المنطقة البحرية التي تنشدها تتداخل مع ذات المنطقة التي حددتها قبرص كمنطقة اقتصادية خالصة لها وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والتي عقدت اتفاقها مع القاهرة بناء عليها في فبراير 2003 ووقعها الجانبان في 2013.
وقد أدت هذه الاتفاقية إلى إبرام اتفاقات محورية اقتصادية مع لبنان في عام 2006 وإسرائيل في عام 2010.
وبعد تأمين حدود جنوب شرق وجنوب شرق المنطقة الاقتصادية الخالصة، قسمت قبرص منطقتها الاقتصادية الخالصة إلى 13 قطعة، ومنحت شركة نوبل الأمريكية للطاقة حقوق استخراج الغاز الطبيعي.
وكان أهم تطور حدث في ديسمبر 2011، عندما أعلنت نوبل اكتشاف الغاز الطبيعي في الكتلة 12، والمعروفة باسم «أفروديت».
وقد أدى القرب الجغرافي لأفروديت من حقول الغاز الطبيعي «ليفياثان» و«تمار» الغنية إلى تعزيز أهمية هذه الكتلة.
رفضت تركيا الاعتراف بالتغير الكبير في توازن القوى، والاعتراف بالمناطق الاقتصادية الخالصة للقبارصة اليونانيين والاتفاقات الثنائية مع دول شرق البحر المتوسط الأخرى. وبدلا من ذلك، نشرت جمهورية شمال قبرص التركية خريطتها الخاصة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة مع كتل F وG المتداخلة مع كتل 1 و2 و3 و8 و9 و12 و13 من روك (انظر الخريطة1).
المناطق الاقتصادية الخالصة
تجدر الإشارة إلى أن «المناطق الاقتصادية الخالصة « تم النص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982. وهى مناطق تمتد بموجب الاتفاقية الدولية مسافة 200 ميل بحري بدءا من خط الأساس الذي يقاس منه البحر الإقليمي للدولة الساحلية.
كما حددت الاتفاقية ذاتها مواصفات «الجرف القاري» بأنه قاع البحر وباطن المناطق المغمورة الملاصقة للساحل والكائنة خارج منطقة البحر الإقليمي على عمق 200 متر أو ابعد من ذلك إلى النقطة التي يسمح فيها عمق المياه التي تعلوها باستغلال الموارد الطبيعية لتلك المناطق.
هنا لابد من التأكيد على أن كلاً من إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة لم يوقعوا على هذه الاتفاقية مع ذلك لجأت إليها تركيا وإسرائيل عند الحاجة.
وفى الحقيقة تعتبر قواعد تلك الاتفاقية عموما ملزمة لأي دولتين متنازعتين باعتبارها قانونا دوليا عرفيا حسب دراسة نشرتها الجمعية الأمريكية للقانون الدولي حول النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل.
وسيتبين في السطور القادمة أهمية هذه الإشارة وأثرها على النزاع الدائر الآن بين أطراف المنطقة فقد استخدمت تركيا هذه المبادئ التوجيهية لتحديد إقليمها الخارجي، كما لجأت إسرائيل إليها في نزاعها الدائر حاليا مع لبنان حول مناطق غاز شرق المتوسط.
تدابير عسكرية
يتركز النزاع الحالي على الـ«بلوك 11» الموجود في المياه الإقليمية لقبرص.
حاولت تركيا نزع الشرعية عن برنامج الغاز الطبيعي لقبرص عبر التصريحات السياسية واستعراض القوة البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، في حين أرسلت السفينة الزلزالية «بيرى ريس» للبحث عن احتياطيات الغاز الطبيعي الإقليمية وقد أرسلت تركيا، التي تتحدث أيضا باسم الجمهورية التركية لشمال قبرص، فرقاطة، تسغ غوكيدا، إلى المنطقة.
وأمر قائد الفرقاطة باستخدام أي تدابير ضرورية لمواجهة النشاط «غير المرغوب فيه» حول الجرف القاري. وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1993 اعتمدت اليونان وقبرص مبدأ الدفاع عن المنطقة المشتركة بينهما، بما يعنى الرد معا على عدوان بلد آخر.
وعلى الجانب الآخر تظهر إسرائيل وليبيا وحتى مصر اهتماما متزايدا باحتياطاتها في المناطق التي تعتبر كل منها امتدادا لجرفها القاري، ويجرى تعزيز هذا الاهتمام بتدابير عسكرية ملموسة.
فعلى سبيل المثال، وقعت وزارة الدفاع الإسرائيلية عقدا بقيمة 420 مليون دولار لتزويد البحرية بأنظمة خاصة للدفاع عن حقول الغاز والممرات المائية الملاحية.
وتهدف الصفقة إلى تكملة عملية شراء سابقة لأربع سفن حربية من طراز ساعار ستستخدم لحماية المياه الاقتصادية الإسرائيلية في البحر المتوسط.
مع ذلك خرج احد قيادات البحرية الإسرائيلية بتصريح غريب يتعلق بالغواصات المصرية الرابضة في البحر المتنامية - حسب قوله - بشكل كثيف فوق الماء وتحت الماء.
تعكس هذه التعليقات القلق والترقب الإسرائيليين من تدابير مصر لحماية ثروتها البحرية لا سيما بعد أن أضاف الضابط الإسرائيلي الكبير الذي لم يفصح عن اسمه أو رتبته ما نصه:» من الواضح أن هذا أمر غير جيد كنت أفضل عدم وجودها هنا كما إنني لا ارغب في وجود أساطيل الآخرين.
وأضاف أن الأسطول المصري لا يقع في دائرة تهديداتنا ولكنه موجود، لذلك لا يمكننا التخلي عن قوتنا البحرية التقليدية».
وقد ظهر عدم الارتياح الإسرائيلي لتكثيف القوات البحرية المصرية من شراء الفرقاطات وحاملات المروحيات وزوارق الاستطلاع الدورية في السنوات الأخيرة خلال هذا الرصد الذي قدمه الضابط الكبير للقوات البحرية المصرية.
وتأكيده على أن القلق الإسرائيلي يكمن في الأساس من شراء مصر للغواصات حيث حصلت في ابريل 2017 على أول غواصة ضمن صفقة ضخمة تشمل شراء أربع غواصات من حوض بناء السفن في ميناء كييل شمال ألمانيا وهو نفس الحوض الذي يتولى بناء الغواصات للجيش الإسرائيلي وسيتم تسليم الغواصة المصرية الثانية خلال العام الحالي.
الشاطئ الآخر
على الشاطئ الشرقي من البحر المتوسط استيقظ مؤخرا نزاع آخر بين لبنان واسرائيل حول المناطق البحرية شرق المتوسط.
حين أعلنت بيروت عن 9 فبراير الجاري موعدا لتوقيع اتفاقية لاستكشاف وإنتاج الغاز مع كونسورتيوم مكون من شركات توتال الفرنسية وإينى الإيطالية ونوفاتك الروسية للبحث في كتلتين من الكتل الخمس التي سبق أن طرحتها في مناقصة.على أن يبدأ التنقيب في منتصف عام 2019، والإنتاج في 2021-22.
المعروف أن لبنان تطل على حوض الشام في شرق المتوسط حيث تم اكتشاف حقول غاز ضخمة تحت مياه المتوسط منذ 2009 التي تشمل حقلى تامار وليفاثان الإسرائيليين الواقعين فيما يسمى وفق القانون البحري الدولي «منطقة اقتصادية خالصة» لإسرائيل وهى مجاورة للمنطقة المتنازع عليها.
أما موضع النزاع فهو الكتلة البحرية رقم 9 وهى واحدة من بين خمس كتل أعلنت لبنان طرحها بين الشركات العالمية المشهورة في مجال البحث عن الغاز، وهى عبارة عن مثلث تبلغ مساحته حوالي 860 ميلا مربعا يمتد بطول حافة الكتل الثلاث الأخرى الملاصقة.
اعتبر افيجدور ليبرمان وزير دفاع الاحتلال أن قيام لبنان بطرح مناقصة للبحث عن الغاز والبترول في منطقة حدود بحرية تابعة لإسرائيل –حسب زعمه- إجراء استفزازيا، ودعا الشركات الدولية إلى عدم التقدم للمناقصة محذرا الشركات «المحترمة» من ارتكاب مثل هذا الخطأ الجسيم الذي يتعارض من وجهة نظره مع كل القواعد والبروتوكولات المعمول بها في حالات مماثلة.
ردا على ذلك صرح الرئيس اللبناني ميشيل عون بأن تعليقات ليبرمان تعد بمثابة إعلان حرب على بلاده وتهديدا لحقّها في السيادة على مياهها الإقليمية.
تزامنت هذه المشاحنات الاقتصادية مع حملة تهديدات إسرائيلية ممنهجة ضد لبنان وحزب الله وإيران تشارك فيها الولايات المتحدة بشكل سافر، فبات من الصعب الفصل بين الأغراض الإسرائيلية المتنوعة من التشاحن مع لبنان والتحرش بها دولياً.
يقظة متأخرة
جدير بالذكر أن الصراع الراهن بين لبنان وإسرائيل على مناطق الغاز في المتوسط ليس وليد اليوم.
ففي أغسطس 2010 بدأت الإرهاصات حين قامت إدارة المحيطات وقضايا المياه التابعة للأمم المتحدة بنشر بيان رسمي حول ترسيم الحدود المائية بين لبنان وإسرائيل وفق الصيغة اللبنانية.
تضمن البيان مخططات وقوائم الإحداثيات الجغرافية للحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل وحدودها الجنوبية الغربية مع قبرص وفق الاتفاق الذي كانت لبنان توصلت إليه مع قبرص.
قامت لبنان بإيداع خرائطها المتفق عليها مع قبرص لدى الأمم المتحدة بناء على المادة 74 من الاتفاقية الدولية التي تنص على أنه:» يتعين على الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتاخمة أن تحدد منطقتها الاقتصادية الخالصة بتطبيق القانون الدولي للتوصل إلى حل منصف.
كما يجب على الدول أن تودع الأمين العام للأمم المتحدة مخططات وقوائم الإحداثيات الجغرافية للمنطقة الاقتصادية الخالصة رأت إسرائيل أن بنود البيان الذي تبنته الأمم المتحدة لا تتفق مع الرؤية الإسرائيلية ولا مع الاتفاق الذي وقعته هي نفسها مع قبرص في ديسمبر 2010، وزعمت تل أبيب أن الخط اللبناني المقترح الذي تبنته الأمم المتحدة يبتعد جنوبا بشكل جوهري ويتعارض مع علامات الحدود التي اتفقت عليها لبنان ذاتها مع قبرص.
بعد أن أودعت لبنان خرائطها في الأمم المتحدة سارعت إسرائيل في المقابل بعقد اتفاق مع قبرص في ديسمبر 2010 حول حدودهما البحرية وقعته قبرص في فبراير 2011 أقرت فيه بحدود المياه الخالصة لإسرائيل وهرولت تل أبيب لإيداع الاتفاق في الأمم المتحدة وقالت إنها التزمت في اتفاقها مع قبرص بالحدود التي سبق أن اتفقت مع لبنان عليها.
احتجاجات متبادلة
في يونيو 2011 احتجت لبنان على الاتفاق البحري بين إسرائيل وقبرص في الأمم المتحدة واشتكت من أن المنطقة المحددة في اتفاق إسرائيل - قبرص 2010 تستوعب أجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة في لبنان.
واعتبرت أن الاتفاق البحري بين إسرائيل وقبرص يشكل هجوما سافرا على حقوق لبنان السيادية على تلك المنطقة، التي يمكن أن تهدد السلام والأمن الدوليين، حسبما أكد وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور في رسالة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
خطأ لبناني
في الخريطة اللبنانية المشتركة مع قبرص تظهر ما يسمى النقطة 1، التي وضعت كنقطة تقسيم مشتركة بينهما في عام 2007، لكن حين أودعت لبنان خرائطها في الأمم المتحدة عام 2010 ظهر أنها تستخدم نقطة تنسيق مختلفة، على بعد سبعة عشر كيلومترا جنوب غرب النقطة 1 وتتداخل مع المنطقة التي تطالب بها إسرائيل.
تختلف التكهنات حول السبب الذي جعل لبنان يضع النقطة 1 في البداية كنقطة فاصلة.
أحد الأسباب المنطقية هو أن لبنان ببساطة ارتكب خطأ دبلوماسيا في عام 2007 وأرادت إصلاحه.
وهناك تفسير آخر هو أن الحكومة اللبنانية آنذاك أرادت تجنب المزيد من الصراع مع إسرائيل؛ إذ تم التوقيع على الاتفاق مع قبرص بعد نصف عام من الحرب بين إسرائيل ولبنان 2006.
من وجهة النظر اللبنانية، لا تعبر الإحداثيات في اتفاق قبرص- لبنان عام 2007 إلا عن حل مؤقت، ريثما يتم التوصل إلى حل بين لبنان وإسرائيل، لذلك قامت بالاحتجاج أمام الأمم المتحدة وأكدت لبنان مجددا أن النقطة 1 لا تمثل الطرف الجنوبي النهائي للمتوسط بين الجمهورية اللبنانية وجمهورية قبرص التي تفصل المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل بلد.
ولا يمكن النظر إلى الإحداثيات إلا كنقطة مشتركة بين لبنان وقبرص، وليست نقطة انطلاق بين قبرص وأي بلد آخر.
ونظرا لعدم وجود اتفاق بين لبنان وإسرائيل، فإنه يمكن للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان أن تتجاوز هذه النقطة.
المحور التركي- الإسرائيلي
في الوقت الذي تطالب لبنان قبرص بتعديل اتفاقها مع إسرائيل ليتماشى مع مصالحهما المشتركة مازالت نيقوسيا ترفض تلبية الطلب اللبناني.
قبرص تنظر بكثير من الريبة نحو المحور التركي – الإسرائيلي، فتل أبيب تضغط عليها –من جهة- للتخلي عن اتفاقها مع لبنان، وفى ذات الوقت تعزز من جهة أخرى- من علاقتها مع خصيمها التركي.
إن التنافس حول حقول الغاز في الجرف المتوسطي قد يعنى أن إمكانية بناء أحد أطول خطوط أنابيب الغاز في العالم بين إسرائيل وتركيا وقبرص واليونان وإيطاليا (أكثر من 2000 كيلومتر).
وتقدر التكلفة التقديرية للمشروع بأكثر من 6 مليارات دولار، ويعتزم المشاركون في المشروع الحصول عليها من أموال المفوضية الأوروبية كجزء من «تنويع» إمدادات الطاقة.
في هذا المشروع، يأتي الجزء الأكبر من الغاز من حقل غاز ليفياثان في إسرائيل، الذي تبلغ خزاناته حوالي 613 مليار متر مكعب من الغاز و39.4 مليون برميل من مكثفات الغاز.
«نحن واثقون من أن أوروبا ستشترى في المستقبل الغاز المنتج في شرق البحر الأبيض المتوسط»، صرح بذلك وزير البنية التحتية الوطنية والطاقة والموارد المائية في إسرائيل، يوفال شتاينيتز، «تجرى حاليا محادثات مكثفة حول إنشاء خطين للأنابيب».
واحدة من هذه تمتد إلى تركيا ثم إلى أوروبا. وسوف يمر خط الأنابيب الآخر عبر قبرص الجنوبية ومن المرجح أن خط الأنابيب الإسرائيلي-اليوناني-اليوناني-الإيطالى سيزيد من تحصين موقف قبرص ضد الجمهورية التركية لشمال قبرص وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغيير التحالفات يوفر لإسرائيل نفوذا هاما على الجزيرة. على المدى القصير، هذا الجو الجديد قد دفع بالفعل لإسرائيل. على سبيل المثال، في 28 مارس، استضافت القوات الجوية اليونانية القوات الجوية الإسرائيلية في تدريبات عسكرية مشتركة.
وفى وقت لاحق، في 10 يونيو، فتحت جمهورية قبرص «التضاريس الجبلية» التي تشبه لبنان «لتدريب الجيش الإسرائيلي».
أطراف دولية
ما يبدو على السطح أن النزاع الراهن ينحصر بين دول المنطقة، لكن الواقع غير ذلك، فثمة اشتباك حقيقي بين عدة أطراف ضالعة فيه على المستويات القانونية والسياسية والبحرية. فهناك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كأطراف دولية تعرض جهودها لتقريب وجهات النظر والوساطة بين الأطراف المتخاصمة مثل لبنان وإسرائيل، أو تركيا وقبرص، أو حتى تركيا وإسرائيل حين تدهورت العلاقات بينهما في فترة سابقة فكاد التدهور يطيح بالاتفاقات الثنائية المعقودة بينهما بشأن تصدير الغاز والبحث عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق