“يبدو أنه يوم حزين لأوروبا والمملكة المتحدة”. بهذه الكلمات أعرب وزير الخارجية الالماني عن قلقه العميق. لكن لا يمكن حتى الان تقدير حجم المخاطر وراء هذه الخطوة لكن الشي المؤكد ان فوز المعسكر المؤيد لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سيشكل منعطفا حاسما في مسار كلا الطرفين.
ما هي اسباب خروج البريطانيين من الاتحاد الاوروبي؟
1- الانتماء الثقافي والاجتماعي:
خلال الأشهر الاربعة التي سبقت الاستفتاء كان وضحا لكل مراقب صعود التيار القومي البريطاني على خلفية اسباب عدة، هذا التيار الذي تصدر حملة الخروج قدم مقاربة الخصوصية والهوية والاستقلال السياسي والاقتصادي في مقابل مقاربة التنوع والاندماج والتكامل الاممي التي طرحها الاتحاد الاوروبي ومؤيدو البقاء.
وخلال الجدال السياسي الذي كان محتدماً بين الطرفين كان من الصعب على مؤيدي البقاء الاجابة على تساؤلات مقلقة حيال الامن ومكافحة الارهاب والهجرة وتدني معدلات الفائدة والتضخم والاستقلال الاقتصادي.
هذا الجدل وضع الناخب البريطاني أمام فهم اخر لجدليات الهوية متمثل في السؤال التالي:
هل نحن البريطانيون أقرب ثقافيا واجتماعيا للكتلة السكانية في امريكا الشمالية ام اقرب للكتلة السكانية في اوروبا؟
هل نحن اقرب للأميركيين أم للقبارصة على سبيل المثال؟
لترسم الاجابة على هذه التساؤلات الذهنية الصورة النهائية للاستفتاء.
2- التحديات الاقتصادية والازمة العالمية:
خلال العقد المنصرم عاشت الاقتصادات الكبرى أزمة مالية واقتصادية ثقيلة وما زالت تبعاتها تؤثر حتى الان، طريقة تعامل المؤسسات الكبرى وراسمو السياسات المالية حول العالم شابها الكثير من عدم الكفاءة. فشل الاتحاد الاوروبي من خلال ذراعه المالي المتمثل بالبنك المركزي الاوروبي (ECB)، في حل معظلات هيكلية في الاقتصادات الاوروبية كمعدلات البطالة المرتفعة وتدني معدلات الفائدة وصولا الى اعتماد الفائدة السلبية والفشل في الوصول الى أهداف نمو اسعار المستهلكين (التضخم) الى مستويات 2%.
كل هذا جعل الجميع أمام استحقاق المساءلة القاسية من قبل مجتمعاتها. البريطانيون قدموا درسا لكل الاوروبيين انه حان وقت المساءلة. يقول نيك روبنسون مراسل البي بي سي: قرر الناخب البريطاني معاقبة كل طبقة السياسيين والمصرفيين الفاشلين على عقد كامل من الخيبة!
3- التفاوت في الاداء الاقتصادي:
حين فشل الاتحاد الاوروبي في تمكين الدول الصغيرة او ما يسمى بـ"الاسواق الطرفية" في بولندا وقبرص وهنغاريا واليونان والى حد ما في ايرلندا والبرتغال من تحقيق معدلات نمو اقتصادي نموذجي دفع اعداد ضخمة من سكان أوروبا الشرقية الفقيرة للبحث عن الوظائف في اوروبا الغربية الثرية وبالاخص بريطانيا بسبب برامج الضمان الاجتماعي السخية جدا.
من جانب اخر كيف يمكن ان يتشارك الالمان الكادحين مع القبرصيين الكسالى في عملة واحدة وسياسة مالية واحدة؟
هذا غير منصف بالمرة. هذا التفاوت تسبب في تفاوت في التعامل، جميعا شاهد كيف تعرضت اليونان كأمة وتاريخ الى إذلال غير مسبوق بين فبراير واغسطس 2015 من أجل حفنة من المساعدات المالية. لا احد يطمح بمثل هكذا معاملة اطلاقا.
4- اليسار الأوروبي:
مع سيطرة أقطاب اليسار الاوروبي على مفاصل المفوضية الاوروبية في بروكسل والبنك المركزي الاوروبي في فرانكفورت، أصبح الفساد سمة بارزة في التعامل الاوروبي. مشاريع بائسة وسياسات عفى عليها الزمن واموال طائلة مبددة من التحفيز الكمي، ووعود بالفقر المدقع، لقد استوعب البريطانيون الدرس وقالوا ان هذا ما يعد به اليسار في كل مكان!
وأخيرا على الصعيد الاوروبي، ما الذي بقي من حلم هيلموت كول المستشار الالماني السابق وفرانسوا ميتران الرئيس الفرنسي في الاتحاد والتكامل الاوروبي؟
5- النموذج السويسري:
سويسرا بلد ليس عضوا في الاتحاد الاوروبي لكنها تملك معدلات نمو اقتصادي وناتجا إجماليا محليا أافضل من المملكة المتحدة ومعدلات بطالة اقل من المملكة المتحدة وعملة أقوى من الجنيه الاسترليني. يقول الناخب البريطاني: حسنا لنجرب النموذج السويسري !
6- المؤسسات الدولية:
تصدر المشهد السياسي والاقتصادي طوال العقد المنصرم مؤسسات أثبتت فشلها في كل مرة واليكم بعض الامثلة:
صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، الاتحاد الاوروبي، البنك المركزي الاوروبي، المفوضية الاوروبية، مجموعة السبعة الكبار، مجموعة العشرين الكبار، الاجتماعات الدورية لمحافظي البنوك المركزية الكبرى واجتماعات القمة الاوروبية والاطلسية والمحيط الهادئ...
ماذا قدموا طوال عشرة أعوام من عمر الازمة العالمية؟.. لا شيء.
7- الهاجس الامني:
الجميع شاهد عجز أوروبا الكامل عن معالجة أزمة اللاجئين بدء من خريف العام 2015. وتفشي ظاهرة الارهاب الذي ضرب بروكسل وباريس. فما الضير في أن يسعى البريطانيون الى تحصين أنفسهم قليلا!
8- الاستطلاعات المضللة:
في وقت متأخر من يوم الاربعاء وقبل ساعات قليلة من فتح صناديق الاقتراع نشرت (YouGov) و(Ipsos) استطلاعان للراي اظهرا تقدما لحملة البقاء بواقع 52% مقابل 48% لانصار الخروج. وهو عكس ما حدث لاحقا. وخلال الاسبوع الاخير صدر ما لا يقل عن 10 إستطلاعات اظهرت تقدما ملحوظا لحملة البقاء، مثل هذه الاستطلاعات تعطي انطباعا بالتساهل والتكاسل لانصار حملة البقاء لانهم توقعوا وفقا لهذا الاستطلاعات ان الامر محسوم تماما فلا داعي للخروج والتصويت، فهناك من يقوم بها!
9- يوم الاستفتاء:
هناك حدثان طارئان، ربما كان لهما تأثير على نتيجة الاستفتاء،
اولا:
عاصفة رعدية ضربت لندن و اجزاء واسعة من جنوب شرق المملكة المتحدة، تسببت في شلل خطوط النقل العام خاصة في لندن وعند ساعة الذروة في الخامسة عصرا، مع خروج الموظفين والعمال، واذا ما عرفنا ان لندن كان يعول عليها أنصار حملة البقاء في جذب أكبر عدد من المؤيدين، عرفنا حجم الضرر جراء ذلك. في يوم الاستفتاء هطلت أمطار على البلاد تناهز معدل هطولها في شهر كامل، وكان مناصرو حملة البقاء لا يمكلون الحافز لتحدي الظروف الجوية السيئة لتغير واقع قائم، بينما يملك مناصرو حملة الخروج الحافز وبشدة.
وثانيا:
حادث ارهابي ضرب احدى المدن الالمانية في منتصف نهار التصويت، وانباءه تتالت لاحقا، مما يكون قد أثر بشكل خاص على المترددين البالغة نسبتهم 10%.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق