19 يونيو 2019
لا يمكن للمرء أن يقاوم الشعور بأن المنافسة على خلافة ماريو دراغي في منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي، أصبحت لها نكهة الجولة النهائية القادمة من مسابقة الأغنية الأوروبية، إذ تريد كل حكومة أن يفوز مرشح من بلدها، لأن ذلك يجعلها تبدو في حالة جيدة، وليس لأن المرشح سيحسن بالضرورة من صنع السياسة في البنك المركزي الأوروبي.
ومن شبه المؤكد أن يكون تصويت الكتلة، الذي يمكن أن يحرض أعضاء الاتحاد الأوروبي المنتمين إلى الشمال والجنوب ضد بعضهم البعض، سمة من سمات عملية التعيين، ومن الغريب أن بعض المعلقين يقولون إنه حان دور بلادهم للفوز.
ومن الواضح أن هذا هو النهج الخطأ، وبدلاً من ذلك، يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تسأل عن المعايير التي يجب أن تتوفر في المترشحين من أجل رئاسة فعالة للبنك المركزي الأوروبي، ثم البحث عن الشخص الذي يستجيب لهذه المعايير على أفضل وجه، ومن بين هذه الشروط، سأذكر ثلاثة من أبرزها.
أولاً، يجب أن يتمتع الرئيس بروح العمل مع الفريق، وغالباً ما ينسى الصحفيون والمعلقون الذين اختلفوا مع الموقف غير التقليدي للبنك، عندما كان دراغي رئيساً له، أن رئيس البنك المركزي الأوروبي لا يضع السياسة، بل يرأس اجتماعات مجلس الإدارة التي يتم فيها اتخاذ القرارات السياسية.
ومع أن هؤلاء النقاد سيودون من دون شك أن يعطي الرئيس الجديد ضربة قاضية للقرارات، التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي خلال العقد الماضي، فلا يوجد ما يوحي بأن أعضاء مجلس الحكم الآخرين سيسمحون بذلك، بل على العكس، لديهم سبب وجيه للنظر إلى قراراتهم السابقة على أنها كانت فعالة إلى درجة تثير الدهشة، مع الأخذ بعين الاعتبار المشاكل الفظيعة التي واجهها البنك المركزي الأوروبي، ومن المرجح أن يتفق المؤرخون النقديون في المستقبل.
وفضلاً عن ذلك، يمكن لتعيين رئيس عارض بشدة القرارات السابقة للبنك المركزي الأوروبي، أن يجعل صياغة الاتفاقات الواسعة النطاق في مجلس الإدارة مهمة في غاية الصعوبة، وتعد هذه الاتفاقات السمة المميزة لصنع السياسات الجيدة، ولا يبدو أن المخاطرة في البنك المركزي الأوروبي المصاب بالخلل الوظيفي، قرار حكيم في الوقت الحالي.
ثانياً، يحتاج رئيس البنك المركزي الأوروبي إلى خلفية اقتصادية قوية. صحيح أن رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، لا يحمل درجة الدكتوراه في العلوم الكئيبة، ويمدح موظفو البنك الاحتياطي الفيدرالي، سراً، فهمه الشامل للاقتصاد، لكن باول يعد استثناء نادراً للقاعدة القائلة إن الأساس الرسمي في هذا الموضوع أساسي لرؤساء البنك المركزي.
وقد يقول البعض إن وضع السياسة النقدية ليس أمراً صعباً، شأنها في ذلك شأن قيادة طائرة ركاب. وقد يكون ذلك صحيحاً في الأوقات العادية، عندما يؤدي الاعتماد على إرشادات كمية بسيطة مثل قاعدة تايلور إلى قرارات سياسية مناسبة وواسعة النطاق، وينطبق الشيء نفسه على مساعد الطيار القليل الخبرة؛ إذ يبقى على ما يرام، وهو يقود طائرة معظم الوقت، لكن الأمور تختلف أثناء الأزمة، عندما تنهار المفاهيم الاقتصادية السائدة، مثل العلاقة العكسية بين التضخم والبطالة التي يطرحها منحنى فيليبس، وعندما ما تصبح الحلول الأكاديمية غير قابلة للتطبيق، ولأن عدم اليقين عادة ما يتزايد، ينبغي على البنوك المركزية التدخل بسرعة وبحسم للحيلولة دون أن تتعمق المشاكل بسبب التوقعات.
وبالطبع، يسعى المصرفيون المركزيون دائماً للحصول على المساعدة من مستشاريهم. ومع ذلك، أثناء الأزمات، غالباً ما تكون المشورة السياسية متناقضة.
وفضلاً عن ذلك، سوف ينصح المحامون في كثير من الأحيان بأن أي فكرة سياسية مبتكرة قد تخلق تحديات قانونية، ومن ثم، فمن الأفضل تفاديها. ولهذا، ليس من المستغرب أن تُنتقد البنوك المركزية، في غالب الأحيان، لأنها تفعل القليل جداً بعد فوات الأوان.
وبقدر ما يريد الركاب قائداً متمرساً في القيادة عندما يحدث خلل ما في طائرتهم، فإن الأزمة الاقتصادية أو المالية تحتاج إلى مصرفي مركزي لديه رؤية واضحة حول ما يجب القيام به، ولديه الثقة باتخاذ إجراءات حاسمة. ويتطلب منه هذا، بدوره، أن يكون لديه فهم مباشر للمشاكل التي قد تنشأ.
وأحد الأسباب وراء استجابة البنك الاحتياطي الفيدرالي بسرعة وفعالية بعد انهيار ليمان براذرز في سبتمبر 2008، هو أن رئيسه، بن برنانكي، قضى معظم حياته المهنية كونه أستاذاً للعلوم الاقتصادية وهو يدرس أخطاء السياسة النقدية التي ارتكبت خلال الكساد العظيم.
ثالثاً، يجب أن يعكس رئيس البنك المركزي الأوروبي الجديد تنوع منطقة اليورو. ويجب تعيين أفضل شخص، كما لا تحتكر أي دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي المرشحين الجيدين. ولأسباب تتعلق بالشرعية، يجب أن تتناوب الرئاسة بطريقة مثالية بين الدول الكبيرة والصغيرة، وبين شمال أوروبا وجنوبه. وفي هذا الصدد، من المتوقع أن يتأثر اختيار رئيس البنك المركزي الأوروبي القادم، بالاختيار الذي عين شخصاً من بلد كبير في جنوب أوروبا نائباً لرئيس البنك العام الماضي.
وأخيراً، يأمل المرء أن يرى العديد من النساء بين المتنافسين الرئيسيين على هذا المنصب، ولكن ما لم تعلن كريستين لاجارد، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، عن دخولها حلبة المنافسة، فقد لا يكون هناك مرشحات بارزات. وسيكون ذلك مؤسفاً جداً وغير منسجم مع الاتجاه العام لهذا العصر.
ستيفان جيرلاش - كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك EFG في زيوريخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق