ل توتر في جنوب تونس حيث تطالب حركة احتجاج كبيرة منذ أسابيع بالاستفادة من عائدات النفط في المنطقة. وحصلت الآن لأول مرة صدامات عنيفة.
تحتضن بلدة الكامور شركة لإنتاج الكهرباء تابعة للدولة ومحطة لضخ النفط يمتد أنبوبها عبر الصحراء. هناك في منطقة بين الحدود الليبية الجزائرية بنحو 120 كيلومترا جنوب غرب ولاية تطاوين التونسية أقامت مجموعة من المتظاهرين منذ منتصف أبريل خيما. فكل قرية وكل حي له خيمة يبعث المقيمون داخلها ممثلا إلى مجلس التنسيق الذي يدافع عن مصالح الحركة الاحتجاجية. أكثر من ألف شخص يقيمون هناك مؤقتا، وطلباتهم تتمثل في الحصول على أماكن عمل لدى الشركات التي تستخرج النفط والغاز في المنطقة، وكذلك الحصول على أموال لمشاربع تنموية. والشركات تعمل في الأرجاء ولا تدفع ضرائب في منطقة تكثر فيها البطالة في صفوف الشباب.
"لن نتنازل"
محمد يمسح العرق من جبينه، ويقول "عمري 34 عاما واشتغلت في ليبيا". وعندما تفجرت هناك الحرب في 2011 عاد إلى تونس. وأضاف محمد:"لا أملك شيئا، لم أتزوج وليس لدي بيت ولا شيء". وحتى الصحراء التي يتواجد فيها الآن مع رفاقه هي مصنفة منطقة معزولة ولا يمكن دخولها إلا بترخيص من السلطات. البطالة وانعدام الآفاق والإحباط ـ الوضع في أكبر ولاية من ناحية المساحة في تونس يشبه ما يسود في داخل البلاد التي تنتظر منذ 2011 قطف ثمار الثورة. لكن في تطاوين توجد موارد الغاز والنفط التونسية التي تستخرجها شركات أجنبية بعقود غالبا ما تنقصها الشفافية.
وكان الرئيس التونسي باجي القايد السبسي قد أعلن في منتصف مايو أن الجيش سيتولى في المستقبل حراصة محطات ضخ النفط، لأن النفط والغاز والفوسفات هي أهم موارد المنطقة. لكن وزارة الدفاع أوضحت بسرعة أنها ستحمي المحطات، لكن ليس من مهامها تفريق الاحتجاجات. ومن ثم يتعايش طرفان في الكامور منذ أسابيع في سلم، ويقول المتظاهرون إنهم لن يتنازلوا عن مطالبهم.
جانب من مخيم المتظاهرين في الكامور
تصعيد بعد وفاة متظاهر
الوضع تفاقم عندما قرر المتظاهرون بعد عدة مفاوضات فاشلة مع وزارة العمل الاستيلاء على محطات الضخ وتخفيض كمية الإنتاج ـ والمحطات هي تحت مراقبة عسكرية. وقبل أسبوع أي في الـ 22 من مايو حاولت وحدة للحرس الوطني قادمة من تونس تفريق مخيم المتظاهرين واستخدمت الغاز المسيل للدموع وذخيرة رش ضد المتظاهرين وأحرقت جزءا من الخيم، ورد المتظاهرون بالحجارة.
شاب في الـ 21 من عمره داسته عربة تابعة لقوى الأمن ولفظ أنفاسه الأخيرة. وعلى إثرها حصلت مواجهات في تطاوين عاصمة الولاية حيث تم حرق موقعين لقوى الأمن. في الوقت نفسه تم نهب مستودع لسيارات مصادرة. "نحن ليس لنا علاقة بذلك، نحن لسنا إرهابيين ولا مهربين"، يصرخ محمد. أما الشاب عدنان فصرخ يقول :"نحن لا نطالب إلا بالمساواة، وهذه ليست فقط كلمة في الدستور، فالمساواة يجب تطبيقها، نحن نريد نفس الفرص التي يتمتع بها سكان المناطق الساحلية".
التهريب كمصدر دخل
بعض الموظفين باللباس المدني سيقيمون في الأيام المقبلة في تطاوين حجم الخسائر. كل شيء داخل موقعي قوى الأمن احترق. ونسمع في تطاوين نفس القصة التي تقول بأن أعمال العنف لا يقف خلفها المتظاهرون، بل زعماء منظمات التهريب التي أرادت الاستفادة من الوضع.
فقبل التحول الذي طرأ في 2011 كان يوجد القطاع الرسمي إلى جانب القطاع غير الرسمي في المنطقة المثلث بين تونس وليبيا والجزائر. والرئيس السابق بن علي كان يسمح بحركة التبادل على الحدود وترك بعض المهربين النافدين يزاولون أنشطتهم، لأنهم كانوا يضمنون العيش للجنوب المتخلف اقتصاديا والاستقرار للحكام في تونس البعيدة. والقطاع غير الرسمي يجني في تونس، حسب دراسة لاتحاد أرباب العمل أكثر من الاقتصاد الرسمي.
لكن منذ نهاية الديكتاتورية اكتسبت شبكات المهربين استقلاليتها وبدأت تستورد إلى جانب البضائع العادية أسلحة من المخزون الليبي. وحتى محمد سبق له أن تلقى بضاعة على الحدود، لكن "فقط سجائر وبنزين، ليست هناك بضاعة محظورة. ليس لدينا خيار آخر، أين سنعمل"
وقامت السلطات التونسية في الأيام الأخيرة في موجة اعتقالات بسجن مجموعة من زعماء التهريب على الحدود. وحتى مصدر الدخل هذا قد يجف مستقبلا بالنسبة إلى كثير من سكان المنطقة الحدودية. عدنان ومحمد ورفاقهم لا يريدون التنازل وسيتظاهرون من أجل الحصول على فرص عمل عادية: "نبقى هنا رغم شهر الصيام. وإذا استدعت الضرورة سنحتفل بعيد الفطر هنا، بل حتى عيد الأضحى في سبتمبر المقبل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق