كيف قاد الفيروس التاجي (كورونا) أسعار النفط الأمريكية إلى الانهيار؟

. . ليست هناك تعليقات:


كيف قاد الفيروس التاجي (كورونا) أسعار النفط الأمريكية إلى الانهيار؟: الأسباب والتداعيات والسيناريوهات المتوقعة

أسماء حسن الخولي - محلل اقتصادي في الاقتصاد الدولي واقتصاديات الطاقة

تحطمت أسعار النفط الأمريكي الخام (تكساس) بنحو (321٪) في فترة ساعات فقط من يوم الاثنين 20 أبريل (نيسان) الجاري، وصولاً إلى المنطقة السلبية. فمن بين جميع التقلبات غير المسبوقة في أسواق الأسهم والمال العالمية منذ تفشي جائحة فيروس “كورونا”، لم يكن أي منها أكثر إثارة للانهيار من انهيار يوم الاثنين في قطاع رئيس من تجارة النفط الأمريكية. حيث استمر وباء فيروس “كورونا” في سحق مستويات الطلب العالمية، في الوقت الذي يرتفع فيه مخزون منشآت تخزين النفط الخام عبر الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى انخفاض الأسعار الذي أخذ النفط الخام إلى أرقام سلبية لأول مرة في التاريخ.
وبوتيرة سريعة تزايدت الكميات غير المسبوقة من المعروض النفطي، وهو ما أجهد بالفعل قدرة التخزين اللوجستي التي تكافح بالفعل في أنحاء العالم كافة، ولكن يتزايد كفاحها بالولايات المتحدة التي لم تعد صهاريجها تكفي لتخزين معروض النفط المتزايد، حتى إن بعض الشركات تدرس بناء مزارع صهاريج كبيرة لتخزين كميات كبيرة من النفط للبيع في وقت لاحق عندما تنتعش الأسعار.
وحتى قبل انخفاض يوم الاثنين 20 أبريل (نيسان) الجاري، كان هناك علامات ضعف في كل مكان؛ حيث عرض المشترون في تكساس ما لا يقل عن دولارين للبرميل خلال الأسبوع الذي سبق، لبعض عقود النفط. وفي آسيا، يحجم المصرفيون بشكل متزايد عن منح تجار السلع الائتمان للبقاء على قيد الحياة، مع تزايد مخاوف المقرضين من خطر حدوث عجز كارثي.
ومنذ بداية عام 2020، تراجعت أسعار النفط بعد التأثيرات المركبة لفيروس “كورونا” وانهيار اتفاق “أوبك+”، قبل أن يتم عقد اتفاق لاحق. ومع عدم وجود نهاية في الأفق لانتشار فيروس كورونا، واستمرار الإنتاج -حتى ولو بوتيرة أقل- في جميع أنحاء العالم، سيؤدي ذلك الى إشعال الحرب بين التجار الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى التخزين، ومن هم دون إمكانية التخزين.
  • قراءة في انهيارات النفط الأمريكي خلال تداولات “الاثنين”
دخل سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس تسليم مايو (أيار) المُقبل، المُنتهي تداوله يوم الثلاثاء 21 أبريل (نيسان)، إلى المنطقة السلبية، خلال تداولات الاثنين، للمرة الأولى في التاريخ. والسبب هو أنه مع انتشار فيروس “كورونا” ظهر الكثير من النفط غير المستخدم المتراكم وسط التدابير العالمية المُتخذة للحد من انتشار الفيروس، والتي تتضمن وقف تصدير السلع واستيرادها، لدرجة أن المساحات التخزينية للنفط نفدت لدى شركات الطاقة الأمريكية. وبالتالي إذا لم يكن هناك مكان لتخزين النفط، فلا أحد يريد أن يحتفظ بعقد على وشك الانتهاء دون جدوى، لذا تمت عمليات البيع بطريقة مُوسعة في وقت ينعدم فيه الطلب على النفط، وهو ما أدى بنزول الأسعار إلى المنطقة السلبية.
وفي نيويورك، انخفض خام غرب تكساس الوسيط تسليم مايو (أيار) عند مستوى منخفض بلغ (-40.32) دولاراً للبرميل، خلال تداولات الاثنين، أي أقل بكثير من أدنى مستوى سابق شوهد في مخططات البيانات الشهرية المستمرة منذ عام 1946، والتي بدأت مشاهدتها مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، وفقًا لبيانات من بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس[1].
ويستمر سعر النفط الأمريكي في الانخفاض حتى بعد أن اتفقت أوبك وحلفاؤها -خلال أبريل (نيسان) الجاري- على أكبر تخفيضات في إنتاج النفط على الإطلاق، بهدف دعم الأسعار. فلا يزال المستثمرون غير مقتنعين بأن التخفيضات يمكن أن تعوض الطلب على السلع الأساسية، حيث إن جائحة فيروس “كورونا” الجديد يمنع قطاعات الاقتصاد العالمي بأكملها من العمل بشكل طبيعي.
وبالرغم من دخول النفط الأمريكي -تسليم مايو (أيار)- إلى المنطقة السلبية، فإنه في مناطق أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة، ظلت أسعار النفط فوق الصفر جزئيًا؛ لأنها تواجه تكاليف نقل أقل وسهولة الوصول إلى الموانئ. ومع ذلك، لم تبق سوق نفط سالمة. فلا يزال سعر النفط القياسي الدولي، المعروف باسم خام برنت، بالقرب من (20) دولارًا للبرميل، لكنه انخفض بمقدار الثلثين منذ يناير (كانون الثاني) إلى أدنى مستوياته في (18) عامًا[2].
  • ماذا يعني دخول النفط الأمريكي في المنطقة السلبية، ولماذا حدث؟
انخفض سعر النفط بشكل مضطرد في الأسواق العالمية منذ اندلاع فيروس “كورونا” لأول مرة في الصين في نهاية عام 2019. ومنذ ذلك الحين، أدى إغلاق الاقتصادات الكبرى وتوقف حركة الطيران للحد من انتشار الفيروس إلى انهيار الطلب على النفط، في ظل توقف حركة العديد من وسائل النقل المُختلفة أيضاً. لكن منتجي النفط استمروا في ضخ النفط الخام من آبارهم، مما تسبب في اختلال كارثي بين النفط الفائض وأكبر انخفاض في الطلب لمدة (25) عامًا، وهو ما أدى إلى دفع الأسعار للمنطقة السلبية.
ويعني الدخول للمنطقة السلبية، أن البائعين كانوا على استعداد، في وقت ما من تداولات جلسة الاثنين، لدفع ما يصل إلى (40) دولارًا للمشترين للحصول على البرميل من أيديهم. وذلك بعد أن أدى العرض الزائد في خضم تراجع اقتصادي عالمي هائل إلى مشكلة في معدلات تخزين الخام.
وقفزت مخزونات الخام في كوشينغ -مركز التخزين الرئيس في أمريكا ونقطة التسليم لعقد غرب تكساس الوسيط– (48٪) إلى ما يقرب من (55) مليون برميل منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي. علماً بأن طاقة التخزين في المركز تبلغ نحو (76) مليوناً حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2020، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة. وتأكيدًا على مدى حدة القلق بشأن نقص مساحة التخزين الفورية لعقود مايو (أيار)، استقر سعر العقد الآجل المستحق بعد شهر “تسليم يونيو (حزيران)” عند (20.43) دولارًا للبرميل. وهذه الفجوة بين العقدين هي الأكبر على الإطلاق.
المصدر: https://www.marketwatch.com/investing/future/clm20
وبالرغم من ذلك تسربت ضغوط البيع الإجمالية إلى عقود خام غرب تكساس الوسيط لشهر يونيو (حزيران)، والتي انخفضت بما يصل إلى (67.60%)، إلى (6.62) دولارات للبرميل، بحلول الساعة 13:45 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، مُتراجعة من ما يقرب من (60) دولارًا في بداية العام. وتراجع خام برنت بنسبة (29٪) إلى (18.10) دولارًا عند أدنى مستوياته، خلال تداولات الثلاثاء[3].
وعلى الرغم من التقلبات غير المسبوقة، لم تكن نقطة الأسعار السلبية لخام غرب تكساس الأمريكي غير متوقعة تمامًا. وكما أفاد موقع “CCN.com” منذ أكثر من شهر، كانت الأسعار السلبية ممكنة جداً، حيث نفدت مساحة التخزين الأمريكي لتخزين مزيد من النفط الخام. وأصبح الوضع أصعب بعد أن بدأت المملكة العربية السعودية وروسيا في خفض سعرها الآجل للخام خلال مارس (آذار) الماضي[4].
وقبل ساعات قليلة فقط من تداولات يوم الاثنين، كانت أسعار النفط عند أدنى مستوياتها منذ عدة عقود. وسرعان ما أصبحت عمليات البيع هي الأكبر على الإطلاق بعد أن انقلب عقد خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون الصفر في وقت مبكر بعد ظهر الاثنين. وبصورة أوضح زادت عمليات البيع في أبريل (نيسان) الجاري، حتى بعد أن اتفقت روسيا ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض الإنتاج بمقدار (10) ملايين برميل في اليوم، في ظل الاعتقاد بأن الاتفاق ما زال غير كافٍ لإعادة التوازن للأسواق. والحقيقة هنا هي أن قطع العرض لم يكن في أي مكان قريباً مما كان مطلوبًا لتعويض انخفاض الطلب على النفط الأمريكي بسبب فيروس “كورونا”.
وربما يُذكرنا الأمر بما حدث منتصف الثمانينيات، عندما حدث الوضع نفسه بالضبط -الكثير من العرض وقليل جدا من الطلب- وهو ما دفع أسعار النفط للانخفاض لسنوات طويلة. وتسببت وفرة الثمانينيات في هبوط أسعار النفط من (35) دولارا عام 1981 إلى (31) دولارا في 1982، ثم تواصل الهبوط إلى (29) دولارا عام 1983، واستمر في الهبوط ليصل إلى (28) دولاراً في 1984، وأخيراً إلى (26) دولارا في 1985 قبل أن تنهار عام 1986 وتصل إلى (14) دولارا مجدداً، كما كانت عليه عام 1978، واستمر التراجع إلى (10) دولارات بنهاية عام 1986[5].
  • تأثير انهيارات أسعار نفط تكساس على قطاع النفط الأمريكي
أثبتت الدراسات أن منتجي النفط الأمريكيين يكافحون لتحقيق ربح بأسعار أقل من (40) دولارًا للبرميل، لكن خسارة الطلب الراهنة وعمليات الإغلاق التي تلت انتشار وباء “كورونا” كانت بمثابة عوامل ضغط مُتزايدة على الأسعار لأسابيع. ما يُنبئ بانهيار الصناعة النفطية الأمريكية، إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية الراهنة على المدى المتوسط والطويل. وبالفعل يُحذر المحللون من حالات إفلاس جماعي في صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من ذلك، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب السعر السلبي للنفط الأمريكي بأنه “مشكلة قصيرة المدى”. وقال: إن الولايات المتحدة كانت تملأ احتياطياتها الاستراتيجية، مُضيفاً: “إذا تمكنا من شرائها مقابل لا شيء، فسوف نأخذ كل ما يمكننا الحصول عليه”. وقال الرئيس ترمب، يوم الاثنين: إن الحكومة “تتطلع إلى وضع ما يصل إلى (75) مليون برميل” في الاحتياطي الاستراتيجي للبترول، الذي يتم استخدامه كحاجز أثناء الأزمات، والذي تم إنشاؤه بعد حظر النفط عام 1973-1974.
كذلك أصدر ترمب تعليماته لإدارته للنظر في طرق لإتاحة الأموال لمنتجي النفط والغاز الأمريكيين الذين يكافحون وسط أدنى أسعار النفط منذ عقدين. قائلاً، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، يوم الثلاثاء: “لن نخذل صناعة النفط والغاز الأمريكية العظيمة أبدًا. لقد أمرت وزير الطاقة ووزير الخزانة بصياغة خطة ستوفر الأموال، بحيث يتم تأمين هذه الشركات والوظائف المهمة للغاية لفترة طويلة في المستقبل!”[6]. وتأتي تلك الأوامر بعد يوم واحد من تحطم عقد النفط الأمريكي القياسي الآجل -تسليم مايو (أيار)- بأكثر من (300%) في المنطقة السلبية ليستقر عند (37.63) دولارًا للبرميل.
وتحاول وزارة الطاقة الأمريكية بالفعل مساعدة منتجي النفط الأمريكيين في العثور على أماكن تخزين للنفط غير المرغوب فيه. وقالت وزارة الطاقة، الأسبوع الماضي: إنها تتفاوض على عقود مع تسعة منتجين للنفط في الولايات المتحدة لتخزين ما مجموعه (23) مليون برميل من نفطهم المنتج في الاحتياطي الاستراتيجي للبترول، لمساعدة منتجي النفط الأمريكيين في توفير التخزين وسط خسارة الطلب الهائلة[7].
وبالرغم من تصريحات ترمب، التي من شأنها أن تدعم القطاع النفطي الأمريكي، يبدو أن الوضع أسوأ من أن تعمل تلك التصريحات على إصلاحه في القريب العاجل، فالقطاع يُعاني على عدة أصعدة؛ أهمها:
  • مشكلة تخزين مزيد من النفط
قالت شركة الاستشارات وود ماكينزي: “مع عدم وجود مساحة تخزين مناسبة في كوشينغ لأولئك الذين يحتاجون إليها لتخزين نفطهم، ازدادت مبيعاتها”. مُشيرة إلى أن “هذه المشكلة هي الأكثر حدة بالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط -عقود مايو (أيار)- لأن الطلب على النفط في أضعف مستوياته، مع وجود تدابير احتواء كاملة للفيروس التاجي (كورونا) في معظم أنحاء الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يكون التخزين في منشأة أوكلاهوما ممتلئًا في غضون أسابيع”. فحتى 10 أبريل (نيسان) الجاري، كانت خزانات كوشينغ تحتوي على (55) مليون برميل من النفط الخام، لما يُعادل (72%) من سعة التخزين العاملة البالغة (76.1) مليون برميل، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة[8].
والآن، يبحث تجار السلع للحصول على مساحة إضافية لتخزين نفطهم الخام مع انهيار الطلب على النفط بمقدار (29) مليون برميل يوميًا في أبريل (نيسان) مقارنة بعام 2019، حيث انخفض إلى أدنى مستويات لم يشهدها منذ عام 1995. ومن المفهوم أن التجار يقومون بتخزين الخام الزائد على أمل أن يتمكنوا من بيعه بربح عندما يعود الطلب على وقود النقل في وقت لاحق من العام الجاري.
وفي الوقت الذي تنفد فيه مساحات التخزين المُتاحة، بدأ الطلب على ما يسمى “الناقلات العملاقة”، والتي يمكن لكل منها استيعاب ما يصل إلى 2 مليون برميل من النفط، في الارتفاع حيث تمتلئ مرافق تخزين النفط التقليدية بسرعة بالزيت الذي تُرك غير مستخدم في ظل الإغلاق الحالي لطُرق النقل والتصدير بسبب فيروس كورونا. ويُذكر أن آخر مرة وصل فيها التخزين العائم إلى مستويات قريبة من ذلك كانت عام 2009، عندما قام التجار بتخزين أكثر من (100) مليون برميل في البحر قبل تفريغ المخزونات عندما بدأ الاقتصاد في التعافي.
والآن تتضاعف أسعار التأجير للسفن العملاقة التي يمكن استخدامها لتخزين النفط أكثر من الضعف، في مارس (آذار) الماضي، لتصل إلى أعلى مستوياتها عند (350) ألف دولار في اليوم، وذلك بسبب تدافع التجار للعثور على مساحة للخام الذي لا يمكن بيعه للمصافي. وبالفعل تم استئجار (60) ناقلة عملاقة لتخزين النفط، معظمها قبالة سواحل سنغافورة وساحل الخليج الأمريكي، بالإضافة إلى ناقلات نفط أصغر. وارتفع الرقم بسرعة إلى ما بين (25) و(40) سفينة كبيرة في بداية أبريل (نسيان) الجاري، من (10) ناقلات فقط في فبراير (شباط) الماضي. وقد يتضاعف المبلغ ثلاث مرات في الأشهر المقبلة لملء ما يصل إلى (200) ناقلة عملاقة، وفقًا لخبراء الشحن[9].
  • انهيار صناعة النفط الصخري الأمريكية
تراجعت أسعار خام برنت القياسي العالمي بنحو (60%) منذ بداية عام 2020، بينما تراجعت العقود الآجلة للخام الأمريكي بنحو (130%) إلى مستويات أدنى بكثير من تكاليف التعادل اللازمة للعديد من الحفريات الصخرية[10]، وهو ما أدى إلى توقف الحفر وخفض الإنفاق بشكل كبير. وبالفعل أعلنت شركة كونتينينتال ريسورسز المشغلة الرئيسة لحقل “باكن” الصخري عن أكبر تخفيض حتى الآن قدره (30٪) في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) إلى (238) ألف برميل في اليوم.
وقد أبلغت العديد من الشركات بالفعل عن خسائر فادحة، وسجلت شركة هاليبرتون، المزود العملاق للمعدات والعمال والخدمات لشركات النفط، خسارة قدرها مليار دولار في الربع الأول من العام 2020، على عكس الدخل الصافي البالغ (152) مليون دولار في نفس الفترة من عام 2019. وقالت شركة كونوكو فيليبس، وهي واحدة من أكبر شركات النفط الأمريكية: إنها ستخفض مؤقتًا حوالي (225) ألف برميل من الإنتاج يوميًا، وتُخطط لخفض إنفاقها بأكثر من الربع إلى (4.3) مليارات دولار[11].
كذلك حدد عملاقا النفط الأمريكيان إكسون موبيل وشيفرون خططًا لكبح إنتاج النفط والإنفاق الاستثماري في الوقت الذي تتحمل فيه مشاريع النفط الأمريكية وطأة انخفاض حاد في الطلب العالمي على النفط. حيث ستخفض إكسون إنفاقها المخطط بنسبة (30٪) بما يُعادل (10) مليارات دولار خلال 2020، بينما ستخفض شيفرون إنفاقها بمقدار الخمس، بما يُعادل (4) مليارات دولار، مقارنةً بالعام الماضي[12].
وسبق أن أشار سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة بايونير ناتشرال ريسورسز، الأسبوع الماضي، إلى أنه إذا ظل سعر النفط حول (20) دولارًا للبرميل لفترة من الوقت، فإن (80%) من مئات شركات النفط المستقلة في ولاية تكساس ستفلس، وسيفقد نحو (250) ألف عامل وظائفهم[13]. ووفقًا لبيانات شركة Rystad Energy الأمريكية، ففي بيئة نفطية بقيمة (20) دولارًا، ستقدم نحو (533) شركة مُتخصصة في التنقيب عن النفط الأمريكي وإنتاجه ملفاتها للإفلاس بحلول نهاية عام 2021. وتُقدر ريستاد أنه عند (10) دولارات، سيكون هناك أكثر من (1100) حالة إفلاس بنهاية 2021[14].
كذلك تتوقع Rystad أن تتقلص صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بمقدار (2.1) مليون برميل يوميًا، بما يُمثل (2٪) من الإمدادات العالمية، مقارنة بالتوقعات الخاصة بالصناعة قبل تفشي الفيروس التاجي. حيث كان من المتوقع أن ينمو النفط الصخري الأمريكي بمقدار (650) ألف برميل يومياً خلال عام 2020، قبل أن يمحو تفشي فيروس “كورونا” توقعات الطلب العالمي على النفط، مما يؤدي إلى واحد من أشد انخفاضات أسعار النفط المسجلة على الإطلاق.
وهنا سيكون من الصعب إصلاح مشاكل صناعة النفط بسرعة. فالبنية التحتية للنفط معقدة وليس من السهل إيقاف الصنابير مرة واحدة، بل تحتاج إلى مزيد من الوقت عند الإغلاق وكذلك عند إعادة فتحها. ويمكن أن يتطلب إغلاق آبار النفط ثم إعادة تشغيلها -عندما يرتفع الطلب على النفط- عمالة ومعدات باهظة الثمن، وكذلك لا تستعيد الحقول دائمًا إنتاجها السابق، بل عادةً ما تُنتج بوتيرة أقل.
  • تأزم الشركات الأمريكية
طلبت صناعة الطاقة الأمريكية من الاحتياطي الفيدرالي تغيير شروط تسهيل إقراض بقيمة (600) مليار دولار حتى تتمكن شركات النفط والغاز من استخدام الأموال لسداد ديونها المتضخمة. ويأتي هذا المطلب في وقت يتصاعد فيه الألم مع القطاع النفطي الأمريكي، حيث تم تداول العقود الآجلة للنفط الخام الأمريكي في المنطقة السلبية -يوم الاثنين- للمرة الأولى في التاريخ بسبب مخاوف من زيادة العرض الضخمة.
وحتى الآن، غاب قطاع الطاقة -إلى حد كبير- عن الدعم الفيدرالي للشركات التي تضررت من الاضطراب الاقتصادي الجديد الناتج عن انتشار فيروس “كورونا”، لكنها تأمل أن تتمكن من الاستفادة من برنامج الإقراض المُقرر إطلاقه من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الأسابيع المقبلة.
وطلبت الرابطة الأمريكية للبترول المستقلة (IPAA) من الاحتياطي الفيدرالي إعادة النظر في حكم يمنع المقترضين المؤهلين من استخدام النقد لسداد أرصدة القروض الأخرى، ويطلب من المقترضين التعهد بسداد الاحتياطي الفيدرالي قبل الديون الأخرى ذات الأولوية أو الأقل. وكتبت الرابطة، التي تمثل الآلاف من منتجي النفط والغاز المستقلين، في رسالة للفيدرالي: “لا يبحث منتجو النفط والغاز الطبيعي عن صدقة حكومية؛ إنهم يبحثون عن جسر للمساعدة في النجاة من هذا الاضطراب الاقتصادي”[15].
وحتى قبل انخفاض أسعار النفط في أوائل مارس (آذار) الماضي، كانت الشركات المنتجة للنفط الصخري الأمريكي تحت ضغط كبير لتقليل التكاليف وتعزيز العوائد. ومع تحمل العديد من الديون الكبيرة وانخفاض الأرباح، يستعد المنتجون الصخريون لإشهار إفلاس محتمل خلال الربع الثاني من عام 2020. وكانت شركة “Whiting Petroleum” أول ضحية بين المنتجين، حيث قامت بتقديم طلبات الحماية من الإفلاس في الأول من أبريل (نيسان) الجاري. كما قامت شركات أخرى أيضًا بتعيين مستشارين لإعادة الهيكلة[16].
  • من المستفيد من الانهيار الحالي في الأسعار؟
من المرجح أن تنخفض أسعار البنزين بشكل حاد خلال عام 2020 بسبب الانهيار المفاجئ لأسعار النفط الأمريكي، والطريق الطويل إلى انتعاش الأسواق مُجدداً، والمُرتبط بقدرة الدول على الحد من انتشار فيروس “كورونا”. ولكن يُشار إلى أن السعر المدفوع في الأسواق لا يعكس تماماً أسعار العقود المُتداولة في أسواق النفط؛ لأن أسعار البنزين والديزل تشمل الضرائب الحكومية وهامش ربح للبائع. وبالتالي ستكون أسعار النفط السلبية التي نشهدها في الولايات المتحدة قصيرة الأجل بالنسبة لحركة البيع والشراء، لذلك لا ينبغي توقع أن يتم الحصول على لترات البنزين دونما دفع مُقابل مادي.
ففي الأوقات العادية، سيكون انخفاض أسعار النفط فُرصة للعديد من الصناعات التي يجب أن تدفع مقابل النفط. وبالطبع، يستفيد المستهلكون من أسعار النفط المنخفضة، التي تترجم إلى غاز رخيص. لكن الأوقات الراهنة ليست عادية، ومن ثم لا ينطبق تحليل التكلفة والعائد المعتاد. حيث أوقفت شركات الطيران، وهي واحدة من أكبر المستفيدين من انخفاض أسعار الوقود، الرحلات الجوية حيث يقيم الناس في جميع أنحاء العالم في منازلهم لوقف انتشار الفيروس التاجي.
وربما المجال الذي استفاد فعلياً من انخفاض أسعار النفط هو الغاز الطبيعي. حيث عانت حفارات الغاز في العامين الماضيين لأن حفارات النفط تنتج الكثير من “الغاز المصاحب” للنفط، والذي تسبب في وفرة من الغاز في الأسواق بما دفع أسعار الغاز للتراجع[17]. ومع انخفاض أسعار النفط، يُبطئ عمال التنقيب عن النفط عملياتهم، وبالتالي يتراجع حجم “الغاز المصاحب” في الأسواق، ومن ثم ستعاود صناعة الغاز الانتعاش بصورة أسرع من النفط في ظل ارتفاع الأسعار المتوقع للغاز.
  • هل ينجح اتفاق أوبك+ في إعادة التوازن لأسواق النفط؟
في محاولة للحد من تخمة المعروض العالمي من النفط، وبالتالي دعم أسعار النفط بخفض الإنتاج التاريخي. قررت “أوبك+”، وهو ائتلاف بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا، تخفيض الإنتاج بمقدار (9.7) ملايين برميل في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) المُقبلين. ومن شأن تلك الصفقة أن تزيل نحو (10) ملايين برميل يومياً من السوق، من خلال تخفيضات متعمدة من الصفقة الموقعة بين أطراف “أوبك+”. بالإضافة إلى ذلك، تحسب المجموعة الانخفاضات غير الطوعية في إنتاج الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والعديد من البلدان الأخرى، حيث تقلل الشركات من نشاط الحفر بسبب انخفاض الأسعار وضعف الطلب.
وبالرغم من ذلك من المرجح أن تظل السوق مرهقة لأشهر قادمة؛ بسبب الانهيار في ​​الطلب الناجم عن عمليات الإغلاق المُتخذة لإبطاء انتشار الفيروس التاجي، من خلال بعض أكبر الاقتصادات في العالم. فاتفاقية “أوبك +” لن تمنع تراكم المخزونات الحادة في الأشهر المقبلة، ومن المرجح أن تظل أسعار النفط تحت ضغط على المدى القصير في السوق الفعلية بفعل استمرار انهيار معدلات الطلب العالمي.
وترى “أوبك +”، أنه باستخدام بعض العمليات الحسابية التي تشمل أيضاً انخفاضات الإنتاج في فنزويلا وإيران وليبيا، وهي البلدان التي يتم إعفاؤها من التخفيضات المُقررة ضمن المنظمة، فإن ما يصل إلى (20) مليون برميل يومياً سيغادر السوق بمرور الوقت، وهو ما يُعادل (20٪) من الإنتاج العالمي[18].
وفي وقت سابق من أبريل (نيسان) الجاري، هدد ترمب بفرض رسوم جمركية على النفط المستورد للإسراع باتفاق بشأن تخفيضات الإنتاج بين السعودية وروسيا، قائلاً: إن الولايات المتحدة لن تنضم إلى تخفيضات متعمدة. وبدلاً من ذلك، ستعمل الولايات المتحدة على خفض إنتاجها بشكل طبيعي بسبب انخفاض أسعار النفط، والواقع أن الإنتاج في تراجع بالفعل مع تعطل الشركات. وعلى الرغم من الاتفاق العالمي غير المسبوق لخفض إنتاج النفط، قد تواصل الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على واردات النفط، حسبما ذكرت بلومبرج نقلاً عن مسؤول في واشنطن[19]. كذلك رفضت الولايات المتحدة خفض أكثر من (100) ألف برميل في اليوم كجزء من اتفاقية (أوبك +).
نهايةً، ليس هناك شك في أن أسعار النفط في حالة ذروة بيع على المستوى الحالي، ولكن بالنظر إلى الظروف السائدة وعدم اليقين حول انتهاء أزمة وباء “كورونا”، فمن المحتمل أن يستمر السعر في الانخفاض أكثر؛ لأن عدد منصات الحفر لم يلمس قاعه بعد. لكن سعر النفط الأمريكي السلبي -على وجه التحديد- هو سعر النفط الخام الذي تم تسليمه في مايو (أيار)، وهو الشهر الذي من المتوقع أن يكون فيه الطلب على النفط عند أدنى مستوياته، ومن المتوقع أن تكون الإمدادات أعلى. ومُستقبلاً سيعتمد الانتعاش الحقيقي لأسعار سوق النفط على مدى سرعة زيادة الطلب على وقود النقل -ومن شأن الإنهاء السريع للحظر العالمي والتدابير الاحترازية أن يسرع انتعاش أسعار السوق- ولكن تطور أزمة “كورونا” قد يعني المزيد من الألم المالي لمنتجي النفط حتى عام 2021، وهو ما سيؤثر –بدوره- على أسعار النفط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

. ... السيدة العربية

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

الاكثر قراءة

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

اخر المواضيع - شبكة الدانة نيوز الرئيسية

صفحتنا على فيسبوك

سلايدر الصور الرئيسي

?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا

حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة نيوسيرفيس سنتر للاعلام والعلاقات العامة . يتم التشغيل بواسطة Blogger.