نشرت المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، قبل أيام، القائمة السنوية للأثرياء الأكبر الـ 500 في إسرائيل. وأحد مقاييس القائمة، هو الثروة الاجمالية لهؤلاء، وبلغت هذا العام 168 مليار دولار، زيادة بنسبة 23 % عن العام الماضي؛ ولكن أكثر بنسبة 450 % عما كان قبل 14 عاما. ولهذا الأمر جوانب عدة، ولا تدل بالضرورة على قوة ومتانة الاقتصاد الإسرائيلي، بل بالأساس، على أن الكيان الإسرائيلي بات دفيئة متهربي ضرائب ليهود العالم، ليستفيدوا من شروط خاصة، وليكن لهم لاحقا دور في ظاهرة الفساد السلطوي الضخم؛ وبعد كل هذا، هم مرشحون للهجرة ثانية نحو دول يستفيدون منها أكثر.
وفي قراءة خاصة لقائمة الأثرياء الـ 500، نجد بوضوح أن الأثرياء الإسرائيليين "التقليديين"، ارتفعت ثرواتهم في السنوات الأخيرة بوتيرة "طبيعية"، إن صح التعبير، في حين أن المساهمة الأكبر في الارتفاع الحاد لحجم الثروات الاجمالي، كان نتيجة تجنيس يهود أثرياء جدد، من دول مختلفة، ولكن بالذات من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، نقلوا معهم في سنوات الألفين عشرات المليارات، وليس بالضرورة كلها استثمارات في الكيان الإسرائيلي.
وحينما نقول تجنيسا، فإن هؤلاء لم يهاجروا فعلا إلى الكيان، بل حصلوا على جنسيته، إلى جانب جنسيتهم الأم، ومن بينهم من يحمل جنسية ثالثة، والهدف من هذا أمران: الأول الاستفادة من شروط ضريبية عرضتها إسرائيل على الأثرياء اليهود في العالم، كي ينقلوا ثرواتهم. وثانيا، التهرب من الضرائب في أوطانهم، ما جعل إسرائيل دفيئة متهربي ضرائب. وقد أدى هذا، إلى تفجر قضايا بين السلطات الأميركية وأكبر البنوك الإسرائيلية، التي أحدها تورط بدفع غرامة بمئات الملايين، فيما الثاني على وشك تكبد غرامة مشابهة.
كذلك، فإن هؤلاء لم يسهموا في "متانة" الاقتصاد الإسرائيلي، وهم مرشحون لسحب استثماراتهم واعادتها إلى أوطانهم، أو إلى اي دولة أخرى تقدم لهم شروطا ضريبية افضل، شرط وجود اقتصاد مستقر قادر على استيعابها. ولذا شهدنا في الأسابيع الأخيرة قلقا إسرائيليا كبيرا، من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتخفيض ضريبة الشركات من 35 % إلى 15 %، لأن هذا سيدفع بالكثير من الاستثمارات الأميركية للعودة إلى أوطانها.
ولكن إسرائيل ليست فقط دفيئة لمتهربي ضرائب، بل أيضا "ملجأ" ليهود تورطوا بجرائم مالية دولية، وكانوا مطلوبين لعدة دول في العالم، ونحن نتكلم عن عدة أسماء بارزة، من بينهم من انهارت ثرواتهم في غضون سنوات قليلة، ومن بينهم من يقبعون في السجون.
كذلك فقد شهدنا منذ سنوات التسعين وحتى اليوم، قضايا فساد ضخمة كثيرة، تورط بها سياسيون وقادة حكم، مع أثرياء يهود من العالم، ومن بينهم من حصلوا على الجنسية. فهؤلاء ما إن نقلوا استثماراتهم، حتى بدأوا البحث عن قنوات توصلهم إلى رأس هرم الحكم، كي يحققوا لأنفسهم شروطا أفضل في نشاطهم الاقتصادي؛ ومن بينهم من سيطر على شخصيات من الصف الاول، وحتى على أحزاب برمتها.
المؤشرات الواضحة تقول إن الاقتصاد الإسرائيلي يشهد استقرارا منذ سنوات، وأنه حقق منذ سنوات التسعين وحتى اليوم، قفزات كبيرة، لا يمكن تجاهلها؛ ولكن في المقابل، فإن هذا الاقتصاد يشمل أيضا فقاعات عديدة، تدعم الاستنتاج بأن الاقتصاد الإسرائيلي له محدوديات، قد تقود إلى انهياره في مرحلة ما، ومن بين هذه المحدوديات، هو ارتباطه الوثيق بالاقتصاد الأميركي، وغرب أوروبا، فيكفي أن نعلم أن قرابة 75 % من الصادرات الإسرائيلية تصل إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. كذلك، ووفق تقارير إسرائيلية، فإن أحد مشاكل الاقتصاد هو أنه ليس متنوعا بالقدر الكافي، وهو يرتكز بغالبيته الساحقة جدا، على التقنية العالية، وعلى الصناعات الحربية، التي هي أيضا متداخلة مع صناعات التقنية العالية، وأي حالة تباطؤ أو ركود في هذين القطاعين، ستنعكس "سلبا" مباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي برمته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق