يقولون الفشل بداية النجاح، لكن هذا ليس بالضرورة صحيحاً بالمطلق، لأنه يفترض لتحقيقه استخلاص الدروس الحقيقية من الفشل وكيفية تجنبه بموضوعية والانطلاق من ذلك لتحقيق النجاح.
تصريحات عديدة من مسؤولين وصناعيين وغيرهم، تتضمن الرغبة أو التمني بإعادة الصناعة السورية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة. وهذا أمر يمكن فهمه وتفهمه في ضوء الأوضاع المتردية في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن الأزمة، لكن هذا يجب ألا يعني، أن وضع الاقتصاد السوري بشكل عام والصناعة السورية بشكل خاص كانا بخير قبل الأزمة، وبالتالي تمني عودتهما كما كانا آنذاك، لأن في ذلك شيء من التجميل وعدم الدقة والواقعية.
مما لاشك فيه أن الصناعة السورية حققت في مرحلة ما قبل الأزمة عدداً من التطورات الإيجابية، منها زيادة الاستثمارات الصناعية وعدد المشاريع ودخول صناعات جديدة ونمو الإنتاج وزيادة الصادرات وفرص العمل إلا أن هذه المؤشرات الايجابية ترافقت مع عدد من المظاهر والنتائج السلبية كان من أهمها تحرير التبادل التجاري وفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقيات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا،
دون أن يسبق ذلك أو يترافق معه على الأقل تنفيذ برامج ملموسة لرفع القدرة التنافسية للصناعة وتمكينها من الاستفادة من الفرص التي تتيحها هذه الاتفاقيات ومواجهة المخاطر والسلبيات الناجمة عنها وجعلها في أدنى الحدود، إضافة إلى التهريب والتلاعب في شهادات المنشأ وقيم وتصنيف المنتجات المستوردة،
للاستفادة من مزايا اتفاقيات تحرير التبادل التجاري ما أدى إلى إغراق السوق السورية بالعديد من المنتجات المنافسة من حيث النوع والسعر، وبالتالي توقف العديد من المصانع وانتقال قسم من الصناعيين إلى التجارة واستيراد المنتجات المشابهة لما ينتجونه من الصين وغيرها مما انعكس على عدد المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً خلال الفترة 2006-،2010
فقد تراجع من 2251 مشروعاً في عام 2006 إلى 1718 مشروعاً في عام 2007 وإلى 1658 مشروعاً في عام 2008 وإلى 1476 مشروعاً في عام 2009 وصولاً إلى 1408 في عام ،2010 وبلغت نسبة التراجع بين 2006 و 2010 حوالي 38%.
كما تم إلغاء 3282 سجلاً وقراراً صناعياً في عام 2009 بناء على طلب أصحابها واستناداً لما تقتضيه القوانين والأنظمة النافذة، وذلك حسب وزارة الصناعة آنذاك.
يضاف إلى ذلك انعكاس نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 على الاقتصاد السوري وما رافقها من تراجع الصادرات وبالتالي الإنتاج والتشغيل، و مرور عدد من السنوات الجافة التي أدت إلى تراجع في المنتجات الزراعية التي تشكل مدخلات إنتاج للصناعة، وأخيراً ضعف وتأخر الإجراءات والتدابير الحكومية المتخذة لمواجهة الآثار السلبية التي نجمت عن هذه الأسباب
لذلك فإن المهام الماثلة أمام الصناعة السورية اليوم لا تنحصر فقط في تأهيل وتشغيل المنشآت الصناعية وإعادتها إلى ما كانت عليه واستدراك ما فاتها من فرص النمو التي كان من الممكن تحقيقها لولا حدوث الأزمة، بل أيضاً مهمة أكبر وأهم لا يجوز تأجيلها أو تجاوزها، وهي الاستفادة من فرصة ما حدث لإعادة توطين الصناعة السورية بشقيها العام والخاص،
وتأهيلها وتحديثها وفق برنامج شامل للتحديث والتطوير تتكامل فيه الأدوار بين المستوى الكلي (السياسات الحكومية) والمستوى المتوسط (المؤسسات الداعمة التدريبية والاستشارية وغيرها العامة والخاصة) والمستوى الجزئي (المنشآت الصناعية).
هذه المهمة هي بالتأكيد أكبر من القدرات المنفردة للجهات الحكومية والخاصة بما فيها الاتحادات والغرف، لذلك لابد من فِرق عمل قطاعية متخصصة من الخبراء المختصين والجهات المعنية العامة والخاصة، تكون مهمتها وضع هذا البرنامج وأولويات تنفيذه والبحث عن مصادر لتمويله ضمن برنامج متكامل لإعادة الاعمار،
على أن تنجز وتناقش نتائج عمل هذه الفرق في أقرب وقت ممكن في مؤتمر عام أو في ورشات عمل متخصصة يشارك فيها، إلى جانب هذه الجهات، الصناعيون والخبراء وجهات التمويل والمؤسسات الداعمة القائمة والجمعيات الأهلية المعنية. و من المفيد في هذا المجال نفض الغبار عن الدراسات التي أُعِدّت سابقاً في هذا المجال ومراجعتها وتحديث ما يجب تحديثه منها لتكون أداة بين ايدي كل من يرغب جدياً في تطوير الصناعة السورية وتمكينها من الخروج من أزمتها،
بكفاءة ومهارة السوريين صناعيين وعمال وفنيين واستشاريين، ونقلها إلى بلد ناهض أسوة بالعديد من البلدان التي مرت بظروف مشابهة واستطاعت الانتقال إلى مصاف البلدان الناهضة أو البازغة.
إن معالجة المشاكل الراهنة للصناعة السورية بالعقلية ذاتها والأسلوب نفسه الذي كان سائداً قبل الأزمة يعني أننا ليس فقط لم نستفد من الدروس المستخلصة مما جرى قبلها وخلالها، بل يعني أيضاً تهميش الصناعة ودورها وإضاعة فرصة تاريخية لنموها ونهوضها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق