تشير أخر التقديرات إلى أن 87.2% من الموظفين في الدول العربية قد عبروا عن رغبتهم بالعمل في دول الخليج خلال العام 2017. لا يأتي هذا التوجه من فراغ، وهو توجه سائد منذ سنوات، نظراً لما تتمتع به المنطقة من سقف رواتب عالٍ جداً قياساً لما هو موجود في بقية دول المنطقة في المغرب العربي والشام ومصر.
فقد كشفت النسخة الأخيرة من مؤشر Numbeo لمتوسط الراتب الشهري في العالم لسنة 2017، عن أن متوسط الرواتب في الدول الخليجية الخمس يفوق 1700 دولار مقابل مائة دولار أو أقل في بعض الدول العربية.
ليس مفاجئاً أن تتصدر الدول الخليجية قائمة متوسط الرواتب في المنطقة العربية لجهة النمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته منذ الطفرة النفطية في سبعينات القرن الماضي ونمو قطاع الأعمال فيها إلى جانب ضعف النمو السكاني.
وعلى الرغم من أزمة أسعار النفط فإن كل الدول الخليجية قد شهدت زيادات في الأجور بنسب متفاوتة خلال العام الماضي كان أكبرها في السعودية بأكثر من 5% وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية تليها قطر بنسبة 4.7 %، ثم الكويت وسلطنة عُمان والبحرين خامساً بأقل نسبة زيادة.
الوضع سيئ خارج الخليج
لكن في المقابل توجد دول نفطية عربية غير خليجية، تحقق موارد هائلة سنوياً من بيع النفط والغاز، إلا أن متوسط الرواتب فيها منخفض بشكل كبير قياساً بنظيرتها الخليجية كالجزائر (293 دولاراً) والعراق (663 دولاراً)، بل تأتي في الترتيب بعد لبنان وفلسطين.
ويعود ذلك إلى الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها هذه الدول ومازالت خلال العقديين الماضيين. وكذلك ضعف الحوكمة وسوء التصرف في الموارد المالية المتأتية من النفط وارتفاع معدلات الفساد والأهم من ذلك، التأخر في المضي في سياسية تنويع الموارد الاقتصادية بعد أزمة انهيار أسعار النفط في العالم.
كل هذه العوامل أثرت سلباً على سياسة التوظيف في القطاعين العام والخاص وتالياً على معدلات الزيادة في الدخل، خاصة مع هيمنة الدولة على القطاعات الاقتصادية الكبرى في هذين البلدين وتعطل سياسة التحول الاقتصادي نحو المبادرة الحرة.
لكن الوضع يبدو أكثر كارثية في دول عربية أخرى. في سوريا يناهز متوسط الرواتب 99 دولاراً فقط، فالحرب الدائرة في فيها منذ أكثر من خمس سنوات مزقت النسيج الاقتصادي للبلاد. أما في مصر فمتوسط الدخل الشهري لا يتجاوز الــ164 دولاراً، أي أن المواطن الروندي الذي يجني في المتوسط 265 دولاراً شهرياً في وضع أفضل بكثير من نظيره المصري.
ويزاحم متوسط الرواتب في ليبيا المعدلات الخليجية على الرغم من الحرب الدائرة في البلاد منذ 2011. ويعود ذلك إلى ما توفره العائدات النفطية الضخمة وضعف النمو السكاني ووجود أكثر من مليونين من سكان البلاد خارجها بسبب الأوضاع السياسية.
كما نلاحظ فارقاً كبيراً بين متوسط الرواتب العام في البلاد (1.700 دولار) ومتوسط الرواتب في العاصمة طرابلس (758 دولار) ويعود ذلك إلى وجود أغلب الحقول النفطية وموانئ النفط التي تتركز فيها الشركات وترتفع فيها الأجور خارج العاصمة وتحديداً في المنطقة الشرقية فيما يعرف بمنطقة "الهلال النفطي".
ويختلف متوسط الرواتب داخل البلد الواحد من مدينة إلى أخرى باختلاف قيمة المدينة من الناحية الاقتصادية وكذلك تختلف المقدرة الشرائية باختلاف المدن داخل نفس البلد قياساً لأسعار العقارات والإيجار والمواد الاستهلاكية، وفقاً لمؤشر Numbeo متوسط الرواتب الشهرية في المدن، الذي يتغير يومياً بحسب قيمة العملة المحلية.
إذ تتصدر إمارة أبو ظبي في الإمارات قائمة المدن العربية في متوسط الأجر الشهري والمركز 26 عالمياً بــ3.747 دولارا. تليها دبي بــ3.343 دولاراً شهرياً وفي المركز 46 عالمياً، وهما فوق المعدل العام للإمارات الذي يقدر بـ3.235 دولارا.
وتحتل العاصمة القطرية الدوحة المركز الثالث عربياً بمتوسط رواتب 2.974 دولارا. ورابعاً تأتي مدينة القدس بـ2.144 دولارا شهرياً. وفي المركز الخامس إمارة الشارقة الإماراتية بـ2.116 دولاراً.
الرواتب قياساً لتكلفة المعيشة
لا يمكن لقيمة الراتب الشهري لوحدها أن تعكس مستوى حياة الموظف في أي بلد حول العالم ما لم تقارن بتكلفة المعيشة. فالدول الخليجية التي تتصدر قائمة متوسط الرواتب في العالم العربي ترتفع فيها مؤشرات تكاليف المعيشة بشكل كبير جداً.
فوفقاً لمؤشر Numbeo لتكاليف المعيشة في العالم لسنة 2017 نجد ثلاث دول خليجية: قطر، والإمارات، والكويت، ضمن أغلى 50 دولة في العالم، من خلال الاعتماد على قياس فروق تكاليف المعيشة في أسعار المواد الاستهلاكية وبدل الإيجار والمطاعم والقدرة الشرائية المحلية.
فعلى الرغم من أن السعودية مثلاً تحتل المركز الخامس في متوسط الرواتب الشهرية عربياً بمعدل يقدر بـ 1.725 دولاراً، إلا أنها تتمتع بأعلى نسبة قدرة شرائية محلية بـ 138%، من خلال تدني أسعار الإيجار والمواد الاستهلاكية قياساً لما هو موجود في بقية الدول الخليجية المجاورة. في مقابل ذلك تنخفض القدرة الشرائية في الكويت إلى 69% على الرغم من أن متوسط الرواتب يصل إلى 1.906 دولارا شهرياً.
وشهدت القدرة الشرائية في سورياً انهياراً كارثياً، حيث وصلت في عام 2017 إلى 14% فقط. وكذلك الأمر في مصر حيث لا تتجاوز 29%، خاصة بعد أن أعلن البنك المركزي المصري في نوفمبر 2016، تعويم الجنيه وتحرير سعر صرف العملة، الأمر الذي أدى إلى تأثر أسعار المواد الغذائية التي تدعمها الحكومة كالخبز والسكر والأرز والزيت بطريقة سلبية، وذلك يعود إلى ارتفاع أسعار الواردات في بلد يستورد أكثر من نصف احتياجاته الغذائية من الخارج بالعملة الصعبة.
كما وصلت القدرة الشرائية في الجزائر إلى36.66% على الرغم من أنها من أكبر مُصدري النفط والغاز في العالم. في المقابل ترتفع النسبة في ليبيا إلى 132.65% رغم من الحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات، وذلك يعود إلى الدعم الذي تقدمه الدولة في السكن والمواد الغذائية والصحة والدراسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق