الغد الاردنية
كل التوقعات تشير إلى أن صانع السياسة النقدية سيقوم خلال العام الحالي بزيادة أسعار الفائدة أكثر من مرة، قد تصل إلى ثلاث مرات في حال أبقى البنك المركزي الأردني على سياسة اللحاق بأسعار الفائدة التي يقررها الفيدرالي الأميركي.
الغاية من زيادة الفائدة، تاريخيا، هي تعزيز قيمة الدينار الأردني أمام الدولار والعملات العالمية الأخرى، وهذه الغاية استراتيجية، لكنها لا تعني أن نغلق أعيننا عن نتائج هذه الخطوات على معدلات النمو الاقتصادي، وهي المتواضعة أصلا، ولا تزيد تقديرات الحكومة لها على 2.1 % للعام 2018.
أميركيا أعلن رئيس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) في ظهوره الأول أن مجلسه سيستمر في رفع أسعار الفائدة بشكل تدريجي، حيث قرأ الخبراء بين السطور احتمالية واسعة لزيادة معدلات رفع الفائدة هذا العام إلى 4 مرات بدلاً من ثلاث فقط كما كان متوقعاً.
التكهنات حول زيادة معدلات رفع الفائدة، مباشرة، ألقت بظلالها على بعض المؤشرات، إذ دفعت الدولار وعائد السندات إلى الصعود بشكل كبير، فيما تراجع الذهب لشدة حساسية المعدن الأصفر لرفع أسعار الفائدة، كما لحق التراجع بمؤشرات وول ستريت الرئيسية الثلاثة.
الإعلان الأميركي، وبالقياس على سياسات وقرارات الماضي، يعني أن الأردن سيقدم على خطوات مشابهة حفاظا على الاستقرار النقدي، ولذلك تبعات سلبية على الاقتصاد، أولها زيادة قيمة فوائد الدين المقدر بحسب قانون الموازنة العامة بحوالي 1.02 مليار دينار سنويا، وذلك يعني، أيضا، أن الإيرادات المستهدف تحصيلها من حزمة القرارات القاسية الأخيرة والمقدرة بمبلغ 450 مليون دينار قد تذهب لتغطية الزيادة في أسعار الفائدة في اللحاق بخطوات الفيدرالي الأميركي.
ومن التبعات السلبية الناجمة عن رفع سعر الفائدة تعميق حدة التباطؤ الاقتصادي في الأردن، وزيادة تكلفة الاقتراض للمشاريع، خصوصا المتوسطة والكبيرة، وما لذلك من تأثير كبير على بيئة الأعمال.
توقعات رفع أسعار الفائدة تتزامن مع وضع مشروع قانون جديد لضريبة الدخل، ما يعني زيادة العبء الضريبي على الأفراد والقطاعات، وهذا أيضا يصب في تكريس فكرة التباطؤ الاقتصادي، ما قد يقود إلى وضع اقتصادي أكثر صعوبة، فمع رفع سعر الفائدة يصبح الاقتراض مكلفا، فتنخفض الأعمال والاستثمارات المتوقعة.
أيضا، ثمة تضاد واضح بين العمل على إطلاق خطة التحفيز الاقتصادي وبين وضع قانون جديد للضريبة يتزامن مع رفع أسعار الفائدة، إذ كيف يستوي تحقيق كل الأهداف في آن! يبدو ذلك صعبا، بصراحة، في ظل كل المعطيات، إذ تقود التوقعات حول سيناريوهات السياسة النقدية المقبلة إلى إضعاف تنافسية العديد من القطاعات الاقتصادية، ما يعني حكما صعوبة جذب الاستثمارات المحلية والخارجية، وهو الهدف الذي طالما نظّرت له الحكومة الحالية.
هناك حاجة ماسة لتحفيز القطاعات الاقتصادية وليس تثبيطها، والغاية الأهم زيادة حجم الاستثمارات المحلية والخارجية، وهذا ما تسعى إليه خطة الحكومة للتحفيز الاقتصادي.
ثم إن الأثر الأكبر والأكثر حساسية في هذه الفترة سيكون على أصحاب القروض السكنية، فالزيادة في تكلفة أسعار الفائدة ستكون أعلى بكثير من إمكانيات مداخيلهم المحدودة أصلا والتي بالكاد تكفي، وفي أغلب الأحيان تعجز عن الوفاء باحتياجات أصحاب هذه المداخيل.
المشكلة الكبرى أن توجهات السياسة النقدية تتعارض مع أبسط المعايير المعروفة، فالعرف أن تزيد الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد، وتنخفض في حالة الركود الاقتصادي لجعل سعر المال رخيصا فيزيد الاقتراض وبالتالي يتحسن الإنفاق الاستهلاكي وينتعش الاقتصاد فيخرج من الركود.
بصراحة صانع السياسة النقدية في وضع لا يحسد عليه؛ فبين الاستقرار النقدي وبين الأهداف الوطنية للخروج من عنق الزجاجة، كما يقول رئيس الوزراء د. هاني الملقي، ثمة تناقض كبير، ما يضعف الفرص للخروج من الزجاجة كما يحلم الرئيس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق