بقلم: تشانغ وي زي
هل صعود الصين الاستثنائي يشكل نموذج إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي؟ وهل كعب أخيل الصين نظامها السياسي؟، وهل سيفشل حكم الحزب الواحد في الصين في مواجهة تحديات متزايدة من اقتصاد أكثر تنوعاً ومجتمع مطالبه متنامية؟.
هذه هي الأسئلة التي تدور في العديد من العقول الغربية كلما ذُكرت الصين، ولكن الافتراضات وراء هذه الأسئلة ربما وضعت في غير محلها، ولمَنْ يريد فهم الصين يمكن أن يكون الأمر مختلفاً إلى حد كبير إذا وضع في الاعتبار وجهة النظر الصينية. وقد ثبت أن الحكم السياسي في الصين الذي يُكِيف نفسه باستمرار لمواجهة تحديات جديدة من خلال العديد من الإصلاحات الطفيفة، قد ثبت أنه حاسم لتحقيق نجاح الصين الاقتصادى وفيما يلي خمسة جوانب للحكم السياسي في الصين تستحق اهتماما خاصا :
1/ حكم الحزب الواحد:
في الواقع، ليس هناك شيء جديد بالنسبة لحكم الحزب الواحد في الصين، وفي معظم الألفيتين الماضيتين منذ توحيدها الأول في 221 قبل الميلاد، ظلت الصين تمارس غالباً ودائماً نوعاً من حكم الحزب الواحد، أو تحكم بواسطة نخبة كونفوشيوسية موحدة حاكمة تختار عن طريق امتحانات عامة "كه جيوى" (Keju)، وتزعم أنها كانت تمثل، أو تمثل حقاً، معظم إن لم يكن جميع من تحت السماء. وبالإضافة إلي ذلك، فإنه خلال معظم عهد الحزب الواحد يمكن القول إن الصين ظلت بلداً يحكم على نحو أفضل واقتصادها أكثر ازدهاراً من أوروبا في الحقبة نفسها. وبدأت الصين تتخلف عن أوروبا فقط عندما أغلقت أبوابها على العالم الخارجي وفاتتها الثورة الصناعية في القرن 18، ولكن البلاد تلحق الآن بالركب سريعاً .
وقد سار حزب الشيوعي الصيني على هدى هذا التقليد إلى حد كبير وبنى نظاماً رائعاً لاختيار قادته على أساس الجدارة والأداء، فعلى سبيل المثال، فإن كبار صناع القرار في الحزب (6 من أصل 7 أعضاء باللجنة الدائمة للمكتب السياسى) فقد عمل جميعهم مرتين على الأقل أمناء للحزب أو حكام على مستوى المقاطعات، ويعني ذلك أنهم قد أداروا شؤون سكان يبلغ متوسط عددهم حوالي 100 مليون قبل ترقيتهم إلى مواقعهم الحالية في بكين.
ويدعي الحزب الشيوعى الصينى اليوم، مثل سابقاته في تاريخ الصين القديم تمثيل الأمة كلها أيضاً، لكن مع مهمة لاستعادة مرتبة البلاد الأولي العالمية. وأظهرت مسوحات مستقلة رئيسية، بما في تلك التي أجراها مركز أبحاث "بيو" أو بارومتر الآسيوي خلال أكثر من عقد ماض، أظهرت وجود نمط ثابت تحظى فيه قيادة السلطات المركزية الصينية بدرجة عالية من الاحترام والدعم (أكثر75%) داخل البلاد. وإن تصوير النظام السياسي في الصين بأنه على وشك الانهيار، كما يبدو في كثير من الأحيان بوسائل الإعلام الغربية، يعتبر أمراً بعيداً كل البعد عن واقع الصين.
وفي هذا السياق، فإن كلمة "حزب" كلمة قد تكون تسمية خاطئة للحزب الشيوعى الصينى، لأنه لا يحمل أي تشابه مع نوع المؤسسات السياسية مثل الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي في الولايات المتحدة، التي تمثل علناً مجموعة مصالح بمجتمع وتتنافس مع بعضها البعض. وقد حاول الحزب الشيوعى الصينى، في إطار التقاليد السياسية الخاصة في الصين، تمثيل مصالح الأغلبية الساحقة من الناس، الذين يبدو أنهم قبلوا ذلك، على الأقل حتى الآن، وإلى حد كبير بفضل حقيقة أن معظم الناس قد وجدوا أن مستويات معيشتهم تحسنت بشكل ملحوظ على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وبهذا المعنى، يكون من الأفضل وجوب النظر إلي الحزب الشيوعى الصينى باعتباره حزب دولة، أو في سياق أمريكي افتراضي، دمجاً للحزبين الجمهوري والديمقراطي والذي أصبحت فيه المنافسة بالأفكار والكفاءة هي المعيار والتوافق وروح الفعل لهما قصب السبق.
" الصين ليست ألمانيا شرقية مكبرة تنتظر ثورة ملونة، كما يراها الكثيرون في الغرب، بل هي دولة حضارية، وهي مزيج من أطول حضارة مستمرة في العالم مع دولة حديثة ضخمة، وهي أيضا نتاج لدمج مئات الدول في واحدة على مدى تاريخها الطويل. " الصين ليست ألمانيا الشرقية بحروف كبيرة تنتظر ثورة اللون، كما يراها الكثيرون في الغرب ، بل هي دولة حضارية ، وهي مزيج من أطول حضارة العالم مستمر مع دولة حديثة ضخمة، والتي هي أيضا نتاج مئات الدول في دمج واحدة على مدى تاريخها الطويل، وهي مماثلة ربما إلى الإمبراطورية الرومانية، ولكن مستمرة حتى اليوم، مع كل الاختلافات الإقليمية والثقافية المتنوعة انضمت إلى الاقتصاد الحديث وحكومة مركزية، بشعبهاالذي يتحدث لغة واحدة مثل اللاتينية.
وقد يصبح هذا النوع من الدول في الواقع غير قابل للحكم ويتفكك إذا غامر بالدخول في مشاريع النموذج الغربي المتصف بالخصومة السياسية تماما كما فعل الاتحاد السوفياتي وهو درس يبدو أن القادة الصينيين قد نظروا فيه بجدية بالغة. ويبدو أن نظام الحكم القائم على منظومة الجدارة الصيني لتولي المناصب المتناغمة مع التقاليد الخاصة بها والتكيفات المختلفة مثل ممارسة "الاختيار زائد الانتخابات على نطاق واسع، يبدو أنها تعمل بشكل جيد إلى حد معقول بالنسبة للصين. ويمكن لهذا النظام رغم مناقصه الحالية منافسة النماذج السياسية الأخرى في العالم.
هل صعود الصين الاستثنائي يشكل نموذج إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي؟ وهل كعب أخيل الصين نظامها السياسي؟، وهل سيفشل حكم الحزب الواحد في الصين في مواجهة تحديات متزايدة من اقتصاد أكثر تنوعاً ومجتمع مطالبه متنامية؟.
هذه هي الأسئلة التي تدور في العديد من العقول الغربية كلما ذُكرت الصين، ولكن الافتراضات وراء هذه الأسئلة ربما وضعت في غير محلها، ولمَنْ يريد فهم الصين يمكن أن يكون الأمر مختلفاً إلى حد كبير إذا وضع في الاعتبار وجهة النظر الصينية. وقد ثبت أن الحكم السياسي في الصين الذي يُكِيف نفسه باستمرار لمواجهة تحديات جديدة من خلال العديد من الإصلاحات الطفيفة، قد ثبت أنه حاسم لتحقيق نجاح الصين الاقتصادى وفيما يلي خمسة جوانب للحكم السياسي في الصين تستحق اهتماما خاصا :
1/ حكم الحزب الواحد:
في الواقع، ليس هناك شيء جديد بالنسبة لحكم الحزب الواحد في الصين، وفي معظم الألفيتين الماضيتين منذ توحيدها الأول في 221 قبل الميلاد، ظلت الصين تمارس غالباً ودائماً نوعاً من حكم الحزب الواحد، أو تحكم بواسطة نخبة كونفوشيوسية موحدة حاكمة تختار عن طريق امتحانات عامة "كه جيوى" (Keju)، وتزعم أنها كانت تمثل، أو تمثل حقاً، معظم إن لم يكن جميع من تحت السماء. وبالإضافة إلي ذلك، فإنه خلال معظم عهد الحزب الواحد يمكن القول إن الصين ظلت بلداً يحكم على نحو أفضل واقتصادها أكثر ازدهاراً من أوروبا في الحقبة نفسها. وبدأت الصين تتخلف عن أوروبا فقط عندما أغلقت أبوابها على العالم الخارجي وفاتتها الثورة الصناعية في القرن 18، ولكن البلاد تلحق الآن بالركب سريعاً .
وقد سار حزب الشيوعي الصيني على هدى هذا التقليد إلى حد كبير وبنى نظاماً رائعاً لاختيار قادته على أساس الجدارة والأداء، فعلى سبيل المثال، فإن كبار صناع القرار في الحزب (6 من أصل 7 أعضاء باللجنة الدائمة للمكتب السياسى) فقد عمل جميعهم مرتين على الأقل أمناء للحزب أو حكام على مستوى المقاطعات، ويعني ذلك أنهم قد أداروا شؤون سكان يبلغ متوسط عددهم حوالي 100 مليون قبل ترقيتهم إلى مواقعهم الحالية في بكين.
ويدعي الحزب الشيوعى الصينى اليوم، مثل سابقاته في تاريخ الصين القديم تمثيل الأمة كلها أيضاً، لكن مع مهمة لاستعادة مرتبة البلاد الأولي العالمية. وأظهرت مسوحات مستقلة رئيسية، بما في تلك التي أجراها مركز أبحاث "بيو" أو بارومتر الآسيوي خلال أكثر من عقد ماض، أظهرت وجود نمط ثابت تحظى فيه قيادة السلطات المركزية الصينية بدرجة عالية من الاحترام والدعم (أكثر75%) داخل البلاد. وإن تصوير النظام السياسي في الصين بأنه على وشك الانهيار، كما يبدو في كثير من الأحيان بوسائل الإعلام الغربية، يعتبر أمراً بعيداً كل البعد عن واقع الصين.
وفي هذا السياق، فإن كلمة "حزب" كلمة قد تكون تسمية خاطئة للحزب الشيوعى الصينى، لأنه لا يحمل أي تشابه مع نوع المؤسسات السياسية مثل الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي في الولايات المتحدة، التي تمثل علناً مجموعة مصالح بمجتمع وتتنافس مع بعضها البعض. وقد حاول الحزب الشيوعى الصينى، في إطار التقاليد السياسية الخاصة في الصين، تمثيل مصالح الأغلبية الساحقة من الناس، الذين يبدو أنهم قبلوا ذلك، على الأقل حتى الآن، وإلى حد كبير بفضل حقيقة أن معظم الناس قد وجدوا أن مستويات معيشتهم تحسنت بشكل ملحوظ على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وبهذا المعنى، يكون من الأفضل وجوب النظر إلي الحزب الشيوعى الصينى باعتباره حزب دولة، أو في سياق أمريكي افتراضي، دمجاً للحزبين الجمهوري والديمقراطي والذي أصبحت فيه المنافسة بالأفكار والكفاءة هي المعيار والتوافق وروح الفعل لهما قصب السبق.
" الصين ليست ألمانيا شرقية مكبرة تنتظر ثورة ملونة، كما يراها الكثيرون في الغرب، بل هي دولة حضارية، وهي مزيج من أطول حضارة مستمرة في العالم مع دولة حديثة ضخمة، وهي أيضا نتاج لدمج مئات الدول في واحدة على مدى تاريخها الطويل. " الصين ليست ألمانيا الشرقية بحروف كبيرة تنتظر ثورة اللون، كما يراها الكثيرون في الغرب ، بل هي دولة حضارية ، وهي مزيج من أطول حضارة العالم مستمر مع دولة حديثة ضخمة، والتي هي أيضا نتاج مئات الدول في دمج واحدة على مدى تاريخها الطويل، وهي مماثلة ربما إلى الإمبراطورية الرومانية، ولكن مستمرة حتى اليوم، مع كل الاختلافات الإقليمية والثقافية المتنوعة انضمت إلى الاقتصاد الحديث وحكومة مركزية، بشعبهاالذي يتحدث لغة واحدة مثل اللاتينية.
وقد يصبح هذا النوع من الدول في الواقع غير قابل للحكم ويتفكك إذا غامر بالدخول في مشاريع النموذج الغربي المتصف بالخصومة السياسية تماما كما فعل الاتحاد السوفياتي وهو درس يبدو أن القادة الصينيين قد نظروا فيه بجدية بالغة. ويبدو أن نظام الحكم القائم على منظومة الجدارة الصيني لتولي المناصب المتناغمة مع التقاليد الخاصة بها والتكيفات المختلفة مثل ممارسة "الاختيار زائد الانتخابات على نطاق واسع، يبدو أنها تعمل بشكل جيد إلى حد معقول بالنسبة للصين. ويمكن لهذا النظام رغم مناقصه الحالية منافسة النماذج السياسية الأخرى في العالم.
2/ المركزية الديمقراطية الجديدة:
لا يتجزأ نجاح الصين من إصلاح الكثير من عملية صنع القرار بها، والتي يمكن وصفها بأنها المركزية الديمقراطية الجديدة أو شكل حديث من المركزية الديمقراطية . وكانت في الواقع عملية صنع القرار على النمط السوفيتي القديم تهتم أكثر بالمركزية من الديمقراطية، ولكن الصين قد تحسنت ذلك، وأسست مساءلة إجرائية في مركزيتها الديمقراطية. وفي ظل هذا النظام، وفإن قراراً كبيراً نموذجياً مثل خطة الدولة الخمسية للتنمية يأخذ أكثر من عام من المشاورات المكثفة والتفاعلية في مختلف مستويات الدولة والمجتمع الصينيين، مع العديد من دورات "من الشعب وإلى الشعب، وإلى الشعب من الشعب".
وتتلقى عملية صنع القرار مدخلات من الآلاف من مؤسسات الفكر والرأي ، والوكالات الحكومية ، والجامعات، والعلماء البارزين والمحترفين، بما في ذلك مناقشات ساخنة نادرة في وسائل الإعلام الاجتماعية وعلى موقع ويبو للمدونات الصغيرة .
ويعتبر قرار الجلسة الكاملة الثالثة الذي اعتمدته مؤخرا والخاص بتعميق الاصلاحات هو مثال جيد في هذا الصدد. وطلبت مجموعة الصياغة التي يرأسها الرئيس شي جين بينغ شخصياً، الآراء من أكثر من 100 مؤسسة في جميع أنحاء البلاد، وتلقت 2500 اقتراح على مدى عام ونصف العام . وقُبل نحو 50 في المئة من هذه الاقتراحات. وخلال هذه العملية، ذهب جميع كبار القادة السبعة لمناطق مختلفة من الصين لإجراء تحقيقات في التحضير للمداولات بشأن القرار.
ونتيجة لذلك، فإن القرار النهائي يعكس التوافق الواسع للمجتمع الصيني حول العديد من القضايا مثل إصلاح الصحة العامة، وتعديل سياسة الطفل الواحد، تأخير سن التقاعد، وإصلاح القطاع المصرفي، وإصلاح التعليم و إنهاء نظام "الإصلاح من خلال العمل". واتخذت العديد من القرارات بناء على نتائج مشروعات تجريبية .
و"مع وجود درجة عالية من الشرعية في عملية صنع القرار، فليس هناك هناك حاجة في الغالي إلى "بيع" قرارات الدولة ، كما تفعل الولايات المتحدة مع الجمهور". وحالما يتم اتخاذ القرارات في بكين بعد هذه العملية، فإنها عادة ما تكون جاهزة "للدراسة والتنفيذ" أو إلى مزيد من الاختبار في مشاريع تجريبية مختلفة.
3/ خلق الطلب:
تميل دورات المشاورات ومناقشات السياسيات المؤسسية في عمليات صنع القرار الرئيسية تميل إلى إثارة الكثير من التوقعات العامة على فترات منتظمة، وعادة ما تكون العديد من هذه التوقعات إيجابية أكثر من سلبية، لتحقيق التنمية الاقتصادية. وتخلق هذه التوقعات بدورها غالبا طلباً على مدى متوسط إلى طويل. وتجذب خطة نموذجية لمدة خمس سنوات في الصين انتباه جزء كبير من المجتمع الصيني، من الشركات الخاصة إلى الشركات المملوكة للدولة إلى المساهمين من الأفراد . وفي الحقيقة أن قدرة الصين على الحفاظ على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة أكثر من 9 في المئة على مدى ثلاثة عقود هي جزء لا يتجزأ من هذه الدورات المنتظمة من التوقعات وخلق الطلب التي يمكن التنبؤ بها.
4/ إدارة التنمية:
إن الادعاء بأن الصين قد خلقت نموذجاً تنموياً خاصأ بها ليس بعيداً عن الخطأ، وميزة مهمة فيه يمكن أن تسمى "إدارة التنمية"، على النقيض من الإدارة العامة. ومن المؤكد أن الخطط الوطنية الخمسية للصين والمؤتمر الاقتصادي السنوي للحزب الشيوعى الصينى هي جزء من إدارة التنمية فى الصين. وينطبق الشيء نفسه على العديد من استراتيجيات وخطط التنمية المحلية. وقد تقدم الجامعات الصينية ي نهاية المطاف دورات وحتى درجات علمية في إدارة التنمية مثلما أن درجة الإدارة العامة شائعة في كل مكان.
ولكن القضية الصينية قد تكون فريدة من نوعها، حيث إن الدولة الصينية، تحت مفهوم" اقتصاد السوق الاشتراكي"، لا تدير فقط هذه الأدوات الكينزية مثل السياسات المالية والنقدية، ولكن أيضا " أدوات" أخرى قد لا تكون متاحة في بلدان أخرى، مثل الملكية العامة للأراضي والموارد الاستراتيجية فضلا عن القطاع الحكومي الكبير، وتعطي هذه " الأدوات" الدولة الصينية سلطة أكبر.
5/ إرادة الشعب مقابل مشاعر الشعب
يقف خلف كل ما سبق الفلسفة الصينية في الحكم، بما في ذلك اثنان من المفاهيم المميزة هما "مين يي" (minyi) و "مينشين" (minxin)، وتشير الأولي إلى "إرادة الشعب" والأخير إلى "مشاعر الشعب". وطرح هذان المفهومان لأول مرة من قبل منسيوس (372-289) قبل الميلاد ويمكن أن تكون إرادة الشعب عابرة وتغيير بين عشية وضحاها، في حين مشاعر الشعب تميل إلى أن تكون مستقرة ودائمة، مما يعكس كل مصالح الأمة على المدى الطويل. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، حتى في ظل الضغوط الشعبية أحيانا النايعة من إردة الشعب فقد ظلت الدولة الصينية تمارس عموما "حكم مينشين" . وهذا يسمح للصين باالتخطيط للمدى المتوسط وإلى المدى الطويل وحتى للجيل القادم، بدلا من 100 يوم المقبلة أو الانتخابات المقبلة كما هو الحال في العديد من البلدان الغربية .
ولا تزال الصين تواجه العديد من التحديات المرعبة التي تتراوح من الفساد إلى فجوات الدخل الإقليمية والتدهور البيئي، ولكن الصين هي في الواقع أفضل مما كانت عليه في أي وقت في تاريخها الحديث. وتعتبر البلاد الآن أكبر مختبر في العالم للتجريب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وتوجد كل الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن الصين، التي لديها نظام سياسي مُتكيف بشكل مستمر، سوف تصل إلى هدفها المتمثل في أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم في غضون عقد من الزمن مع كل الآثار المترتبة على الصين نفسها وبالنسبة لبقية العالم بأسره .
*تشانغ وي زي مدير مركز البحوث نموذج الصين للتنمية، بجامعة فودان في شنغهاي.
لا يتجزأ نجاح الصين من إصلاح الكثير من عملية صنع القرار بها، والتي يمكن وصفها بأنها المركزية الديمقراطية الجديدة أو شكل حديث من المركزية الديمقراطية . وكانت في الواقع عملية صنع القرار على النمط السوفيتي القديم تهتم أكثر بالمركزية من الديمقراطية، ولكن الصين قد تحسنت ذلك، وأسست مساءلة إجرائية في مركزيتها الديمقراطية. وفي ظل هذا النظام، وفإن قراراً كبيراً نموذجياً مثل خطة الدولة الخمسية للتنمية يأخذ أكثر من عام من المشاورات المكثفة والتفاعلية في مختلف مستويات الدولة والمجتمع الصينيين، مع العديد من دورات "من الشعب وإلى الشعب، وإلى الشعب من الشعب".
وتتلقى عملية صنع القرار مدخلات من الآلاف من مؤسسات الفكر والرأي ، والوكالات الحكومية ، والجامعات، والعلماء البارزين والمحترفين، بما في ذلك مناقشات ساخنة نادرة في وسائل الإعلام الاجتماعية وعلى موقع ويبو للمدونات الصغيرة .
ويعتبر قرار الجلسة الكاملة الثالثة الذي اعتمدته مؤخرا والخاص بتعميق الاصلاحات هو مثال جيد في هذا الصدد. وطلبت مجموعة الصياغة التي يرأسها الرئيس شي جين بينغ شخصياً، الآراء من أكثر من 100 مؤسسة في جميع أنحاء البلاد، وتلقت 2500 اقتراح على مدى عام ونصف العام . وقُبل نحو 50 في المئة من هذه الاقتراحات. وخلال هذه العملية، ذهب جميع كبار القادة السبعة لمناطق مختلفة من الصين لإجراء تحقيقات في التحضير للمداولات بشأن القرار.
ونتيجة لذلك، فإن القرار النهائي يعكس التوافق الواسع للمجتمع الصيني حول العديد من القضايا مثل إصلاح الصحة العامة، وتعديل سياسة الطفل الواحد، تأخير سن التقاعد، وإصلاح القطاع المصرفي، وإصلاح التعليم و إنهاء نظام "الإصلاح من خلال العمل". واتخذت العديد من القرارات بناء على نتائج مشروعات تجريبية .
و"مع وجود درجة عالية من الشرعية في عملية صنع القرار، فليس هناك هناك حاجة في الغالي إلى "بيع" قرارات الدولة ، كما تفعل الولايات المتحدة مع الجمهور". وحالما يتم اتخاذ القرارات في بكين بعد هذه العملية، فإنها عادة ما تكون جاهزة "للدراسة والتنفيذ" أو إلى مزيد من الاختبار في مشاريع تجريبية مختلفة.
3/ خلق الطلب:
تميل دورات المشاورات ومناقشات السياسيات المؤسسية في عمليات صنع القرار الرئيسية تميل إلى إثارة الكثير من التوقعات العامة على فترات منتظمة، وعادة ما تكون العديد من هذه التوقعات إيجابية أكثر من سلبية، لتحقيق التنمية الاقتصادية. وتخلق هذه التوقعات بدورها غالبا طلباً على مدى متوسط إلى طويل. وتجذب خطة نموذجية لمدة خمس سنوات في الصين انتباه جزء كبير من المجتمع الصيني، من الشركات الخاصة إلى الشركات المملوكة للدولة إلى المساهمين من الأفراد . وفي الحقيقة أن قدرة الصين على الحفاظ على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة أكثر من 9 في المئة على مدى ثلاثة عقود هي جزء لا يتجزأ من هذه الدورات المنتظمة من التوقعات وخلق الطلب التي يمكن التنبؤ بها.
4/ إدارة التنمية:
إن الادعاء بأن الصين قد خلقت نموذجاً تنموياً خاصأ بها ليس بعيداً عن الخطأ، وميزة مهمة فيه يمكن أن تسمى "إدارة التنمية"، على النقيض من الإدارة العامة. ومن المؤكد أن الخطط الوطنية الخمسية للصين والمؤتمر الاقتصادي السنوي للحزب الشيوعى الصينى هي جزء من إدارة التنمية فى الصين. وينطبق الشيء نفسه على العديد من استراتيجيات وخطط التنمية المحلية. وقد تقدم الجامعات الصينية ي نهاية المطاف دورات وحتى درجات علمية في إدارة التنمية مثلما أن درجة الإدارة العامة شائعة في كل مكان.
ولكن القضية الصينية قد تكون فريدة من نوعها، حيث إن الدولة الصينية، تحت مفهوم" اقتصاد السوق الاشتراكي"، لا تدير فقط هذه الأدوات الكينزية مثل السياسات المالية والنقدية، ولكن أيضا " أدوات" أخرى قد لا تكون متاحة في بلدان أخرى، مثل الملكية العامة للأراضي والموارد الاستراتيجية فضلا عن القطاع الحكومي الكبير، وتعطي هذه " الأدوات" الدولة الصينية سلطة أكبر.
5/ إرادة الشعب مقابل مشاعر الشعب
يقف خلف كل ما سبق الفلسفة الصينية في الحكم، بما في ذلك اثنان من المفاهيم المميزة هما "مين يي" (minyi) و "مينشين" (minxin)، وتشير الأولي إلى "إرادة الشعب" والأخير إلى "مشاعر الشعب". وطرح هذان المفهومان لأول مرة من قبل منسيوس (372-289) قبل الميلاد ويمكن أن تكون إرادة الشعب عابرة وتغيير بين عشية وضحاها، في حين مشاعر الشعب تميل إلى أن تكون مستقرة ودائمة، مما يعكس كل مصالح الأمة على المدى الطويل. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، حتى في ظل الضغوط الشعبية أحيانا النايعة من إردة الشعب فقد ظلت الدولة الصينية تمارس عموما "حكم مينشين" . وهذا يسمح للصين باالتخطيط للمدى المتوسط وإلى المدى الطويل وحتى للجيل القادم، بدلا من 100 يوم المقبلة أو الانتخابات المقبلة كما هو الحال في العديد من البلدان الغربية .
ولا تزال الصين تواجه العديد من التحديات المرعبة التي تتراوح من الفساد إلى فجوات الدخل الإقليمية والتدهور البيئي، ولكن الصين هي في الواقع أفضل مما كانت عليه في أي وقت في تاريخها الحديث. وتعتبر البلاد الآن أكبر مختبر في العالم للتجريب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وتوجد كل الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن الصين، التي لديها نظام سياسي مُتكيف بشكل مستمر، سوف تصل إلى هدفها المتمثل في أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم في غضون عقد من الزمن مع كل الآثار المترتبة على الصين نفسها وبالنسبة لبقية العالم بأسره .
*تشانغ وي زي مدير مركز البحوث نموذج الصين للتنمية، بجامعة فودان في شنغهاي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق