أثارت قضايا الفساد، التي تلاحق مسؤولين تونسيين، قلقاً متزايداً في الأوساط الاقتصادية المحلية والدولية، لا سيما ما يتعلق بخطط البلاد لتنمية الاستثمارات والحد من الصعوبات المالية التي تواجهها.
وجاءت استقالة وزير الاستثمار والتعاون الدولي فاضل عبد الكافي، الذي يشغل أيضا حقيبة المالية بالإنابة، على خلفية اتهامه بتهريب عملات أجنبية بطرق غير قانونية، لتلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي التونسي.
وبالرغم من نجاحه في إدارة الوزارات التي كلف بها، وفق مراقبين للشأن الاقتصادي، واجه عبد الكافي انتقادات كبيرة من قبل أحزاب المعارضة، التي اعتبرت تكليفه بوزارة المالية بالإنابة تضارب مصالح، باعتبار أن عائلته تدير واحدة من أكبر شركات الاستثمار المالي في البلاد، فضلا عن توليه مناصب سابقة في البورصة، وهو ما يمكنه من تحقيق منافع لحسابه الخاص.
وبحسب الوزير، فإن استقالته تأتي على خلفية مثوله أمام القضاء يوم 4 سبتمبر/ أيلول المقبل، بعد الاعتراض الذي كان قد تقدم به بتاريخ 10 أغسطس/ آب الجاري على حكم صادر ضدّه ويقضي بسجنه وتغريمه مبلغ 1.8 مليار دينار تونسي في قضية رفعتها ضده الإدارة العامة للديوانة (الجمارك)، تتعلق بمعاملات مالية للشركة التي يمثلها قانونياً.
وأشرف الوزير المستقيل على إنجاح مؤتمر الاستثمار الذي استضافته قطر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وجنت تعهدات بقيمة 13 مليار دولار.
لكن عضو البرلمان عن حزب التيار الديمقراطي المعارض سامية عبو، قالت لـ"العربي الجديد"، إن حزبها كان أول من نبه إلى شبهات فساد حول وزير الاستثمار ودعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى إقالته، مضيفة: " كان الأجدر بالوزير وبرئيس الحكومة تجنب الزج بالبلاد في أتون الشبهات التي تقلل من ثقة دوائر القرار الاقتصادي والمستثمرين".
وتأتي استقالة المسؤول الحكومي الذي يمسك بأهم وزارتين اقتصاديتين، في الوقت الذي تضع فيه الحكومة اللمسات الأخيرة على موازنة الدولة للعام القادم وسط ضغوط مالية كبرى، نتيجة شح الموارد وتراجع غير مسبوق لاحتياطي العملة.
وأشار الخبير الاقتصادي والمالي أشرف العيادي، إلى أن أزمة الثقة في مسؤولي الحكومة وشبهات الفساد التي تلاحق أحد أبرز وزرائها، سينعكس حتما على ثقة دوائر القرار المالي العالمي في جدية الحكومة الحالية في مكافحة الفساد.
وأضاف العيادي لـ"العربي الجديد"، أن تونس بالكاد تستعيد ثقة المستثمرين الأجانب والدوائر المالية، التي تقف بجانبها لتخطي الوضع الاقتصادي الصعب، معتبرا أن تعلق شبهات فساد في هرم الدولة سيؤثر سلبياً على رغبة المستثمرين في العودة إلى السوق التونسية، لافتا إلى أن الرد جاء سريعاً من وكالة موديز للتصنيف التي أبقت أفق الاقتصاد في تونس في الخانة السلبية.
ووفقا لموديز، لم يتم عمل شيء في تونس منذ أكثر من 9 أشهر لتحسين الأوضاع الاقتصادية، معتبرة أن الوضع قد تدهور بشكل خطير.
وبحسب وكالة التصنيف العالمية، فإن الإصلاح الاقتصادي في تونس يحتاج إلى وقت طويل، حيث خفضت تصنيف الديون بالعملة الأجنبية للبنك المركزي التونسي مع توقعات سلبية، مؤكدة
أن الحكومة هي المسؤول القانوني عن سداد جميع السندات الصادرة.
ويقدر مستوى الاحتياطي الصافي من العملة الصعبة لتونس حتى 14 أغسطس/ آب الجاري بنحو 4.7 مليارات دولار، أي ما يعادل 90 يوماً من الواردات، مقابل 120 يوماً في الفترة نفسها من العام الماضي 2016.
وستكون لهذا التراجع، بحسب فاطمة مراكشي الشرفي، خبيرة الاقتصاد، في تصريحات أدلت به لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، نتائج وخيمة على حظوظ تونس في الاقتراض من الأسواق الدولية، وأيضا على قدرتها في الاستيراد والمحافظة على قيمة الدينار في مواجهة العملات الأجنبية.
وبحسب وسائل إعلام محلية، أمس السبت، يواجه الوزير المستقيل اتهامات بمخالفات أخرى عندما كان يشغل منصب المدير العام المساعد للشركة التونسية للأوراق المالية.
ويتوقع محللون اقتصاديون أن يؤدي الكشف عن قضايا الفساد في ضعف شعبية رئيس الحكومة، ما يثير قلقا بشأن احتجاجات اجتماعية، لا سيما في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
وما تزال تونس تكافح لإنعاش الاقتصاد وتنفيذ إصلاحات هيكلية يطالب بها المقرضون الدوليون لخفض الإنفاق والعجز في الميزانية.
وتعمّقت أزمة إيرادات الدولة من العملة الأجنبية، بعد تراجع مداخيل القطاع السياحي بفعل العمليات الإرهابية، وتراجع الاستثمارات وتحويلات المغتربين، فضلاً عن الاضطراب المتواصل في صادرات الفوسفات، نتيجة الاضطرابات الاجتماعية في منطقة الحوض المنجمي (جنوب غرب البلاد).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق