بقلم : عامر التميمي - القبس
تختلف عادات الاستهلاك بين شعوب العالم، فهناك المسرفون
تقليدياً وهناك المقترون على أنفسهم، وهناك من يستهلك بقدر احتياجاته مهما
كانت أوضاعه المعيشية.
وقد برزت خلال القرن العشرين سلوكيات استهلاكية متنوعة في بلدان العالم الصناعي بعد أن توافرت أدوات دين للاستهلاك، حيث باتت هذه الأدوات من الأهم في سوق الائتمان في بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية.
يقابل ذلك أن الاستهلاك في اليابان أو كوريا الجنوبية يظل مقيداً بتقاليد تميل إلى الادخار وتحديد المتطلبات الاستهلاكية وبحدودها الدنيا. أما لدينا في الكويت، فقد ارتفعت معدلات الاستهلاك خلال العقود الماضية بفعل تحسن مستويات المعيشة وارتفاع المداخيل وتبني الدولة فلسفة الاقتصاد الريعي ودعم الخدمات الأساسية. وقد حفزت هذه الأوضاع المواطنين على التوسع في الاستهلاك بصورة قياسية، وقام الكثيرون بالاقتراض من النظام المصرفي لتمويل عمليات الشراء أو الاقتناء للسلع الأساسية والاستهلاكية والتمتع بالخدمات المتنوعة.
تشير الإحصائيات – مارس 2017 – الصادرة عن بنك الكويت المركزي إلى أن قيمة القروض المقسطة والقروض الاستهلاكية قد بلغت 11.4 مليار دينار من إجمالي التسهيلات المصرفية التي بلغت 34.9 مليار دينار، أو بنسبة %32.7، أي ثلث التسهيلات البنكية في البلاد.
خلال الأعوام الماضية، قامت الدولة بموجب قانون صدر عن مجلس الأمة بتعويم المقترضين للاستهلاك بشروط ميسرة، ورأى كثير من الاقتصاديين أن ذلك القانون، ربما، يدفع المواطنين إلى التوغل في المزيد من عمليات الاقتراض من أجل الاستهلاك.
الآن، يبدو أن الأمور تتطلب التغيير والمعالجة، ولا يمكن للدولة أن تستمر بسياساتها الريعية من دون تحمل تكاليف باهظة بعد أن تراجعت أسعار النفط وانخفضت الإيرادات السيادية. كيف يمكن أن يتم ترشيد الاستهلاك؟ يتعين إعادة النظر في مخصصات الدعم، خصوصاً دعم استهلاك وقود العربات واستهلاك المياه والكهرباء. وإذا كانت عمليات إنتاج الكهرباء والمياه تكلف ما يزيد على ثلاثة مليارات دينار تقابلها رسوم لا تزيد على 300 مليون دينار، أي عشرة في المئة من التكاليف، كما يؤكد المسؤولون، فإن هناك ضرورة لإعادة النظر في تلك الرسوم ورفعها على المستهلكين.
وبعد إقرار قانون خلال العام الماضي لرفع الرسوم على استهلاك المياه والكهرباء في السكن الاستثماري والمباني التجارية والمكاتب والقطاع الصناعي والقطاع الزراعي والمباني الحكومية، فإن ذلك يمثل تطوراً لا بأس به، ولكن يظل قطاع السكن الخاص مستثنى من رفع الرسوم وهو الذي يمثل ما يزيد على %40 من استهلاك المياه والكهرباء. وقد بيّن المهندس محمد بوشهري وكيل وزارة الكهرباء والمياه أن المقصود من رفع الرسوم ليس جني الإيرادات، على أهميتها، ولكن لترشيد الاستهلاك. ولذلك، فإن المطلوب زيادة الرسوم على قطاع السكن الخاص، الخاص بالكويتيين، وبموجب نظام شرائح تصاعدية لتعزيز نزعة الترشيد والاقتصاد في الاستهلاك.
إن مظاهر الاستهلاك الترفي واضحة المعالم في بلد مثل الكويت، ولا يمكن التحكم بها من دون تبني سياسات حكومية رشيدة. لا شك هناك مظاهر لسلوكيات غير عقلانية في الاستهلاك مثل ما يحدث في شهر رمضان، حيث ترتفع معدلات استهلاك المواد الغذائية على الرغم من أن فلسفة الصيام تؤكد أهمية ضبط النفس البشرية والسيطرة على مظاهر البطر والإسراف في الحياة المعيشية. غني عن البيان أن مثل هذه المظاهر الاستهلاكية تؤدي إلى ارتفاع معدلات السمنة بما يعني زيادة أعداد المرضى بما يزيد من تكاليف الرعاية الصحية، كيف يمكن السيطرة على هذه الظواهر غير السوية من دون توافر فلسفة مجتمعية تؤثر الحرص على الثروة والحد من الهدر في كل مناحي الحياة؟ إذا كان المجتمع السياسي يحرص على كسب الود السياسي على الأمد القصير من دون مراعاة متطلبات التنمية المستدامة وحماية الأموال العامة والخاصة من أجل ضمان معيشة كريمة لأبناء الأجيال القادمة، فهل نتوقع ترشيداً في الاستهلاك بكل أنواعه؟ هناك، الآن، من يطالب بإعادة النظر في أسعار البنزين التي رفعت في أوائل سبتمبر 2016، ومراجعة رسوم الكهرباء من أجل إعادتها إلى مستوياتها المنخفضة. لذلك، فإن عملية الترشيد الاستهلاكي تتطلب منظومة قيم عقلانية وقناعات حكومية بأهمية المبادرة للتحفيز على الترشيد.
عامر ذياب التميمي
مستشار وباحث اقتصادي كويتي
وقد برزت خلال القرن العشرين سلوكيات استهلاكية متنوعة في بلدان العالم الصناعي بعد أن توافرت أدوات دين للاستهلاك، حيث باتت هذه الأدوات من الأهم في سوق الائتمان في بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية.
يقابل ذلك أن الاستهلاك في اليابان أو كوريا الجنوبية يظل مقيداً بتقاليد تميل إلى الادخار وتحديد المتطلبات الاستهلاكية وبحدودها الدنيا. أما لدينا في الكويت، فقد ارتفعت معدلات الاستهلاك خلال العقود الماضية بفعل تحسن مستويات المعيشة وارتفاع المداخيل وتبني الدولة فلسفة الاقتصاد الريعي ودعم الخدمات الأساسية. وقد حفزت هذه الأوضاع المواطنين على التوسع في الاستهلاك بصورة قياسية، وقام الكثيرون بالاقتراض من النظام المصرفي لتمويل عمليات الشراء أو الاقتناء للسلع الأساسية والاستهلاكية والتمتع بالخدمات المتنوعة.
تشير الإحصائيات – مارس 2017 – الصادرة عن بنك الكويت المركزي إلى أن قيمة القروض المقسطة والقروض الاستهلاكية قد بلغت 11.4 مليار دينار من إجمالي التسهيلات المصرفية التي بلغت 34.9 مليار دينار، أو بنسبة %32.7، أي ثلث التسهيلات البنكية في البلاد.
خلال الأعوام الماضية، قامت الدولة بموجب قانون صدر عن مجلس الأمة بتعويم المقترضين للاستهلاك بشروط ميسرة، ورأى كثير من الاقتصاديين أن ذلك القانون، ربما، يدفع المواطنين إلى التوغل في المزيد من عمليات الاقتراض من أجل الاستهلاك.
الآن، يبدو أن الأمور تتطلب التغيير والمعالجة، ولا يمكن للدولة أن تستمر بسياساتها الريعية من دون تحمل تكاليف باهظة بعد أن تراجعت أسعار النفط وانخفضت الإيرادات السيادية. كيف يمكن أن يتم ترشيد الاستهلاك؟ يتعين إعادة النظر في مخصصات الدعم، خصوصاً دعم استهلاك وقود العربات واستهلاك المياه والكهرباء. وإذا كانت عمليات إنتاج الكهرباء والمياه تكلف ما يزيد على ثلاثة مليارات دينار تقابلها رسوم لا تزيد على 300 مليون دينار، أي عشرة في المئة من التكاليف، كما يؤكد المسؤولون، فإن هناك ضرورة لإعادة النظر في تلك الرسوم ورفعها على المستهلكين.
وبعد إقرار قانون خلال العام الماضي لرفع الرسوم على استهلاك المياه والكهرباء في السكن الاستثماري والمباني التجارية والمكاتب والقطاع الصناعي والقطاع الزراعي والمباني الحكومية، فإن ذلك يمثل تطوراً لا بأس به، ولكن يظل قطاع السكن الخاص مستثنى من رفع الرسوم وهو الذي يمثل ما يزيد على %40 من استهلاك المياه والكهرباء. وقد بيّن المهندس محمد بوشهري وكيل وزارة الكهرباء والمياه أن المقصود من رفع الرسوم ليس جني الإيرادات، على أهميتها، ولكن لترشيد الاستهلاك. ولذلك، فإن المطلوب زيادة الرسوم على قطاع السكن الخاص، الخاص بالكويتيين، وبموجب نظام شرائح تصاعدية لتعزيز نزعة الترشيد والاقتصاد في الاستهلاك.
إن مظاهر الاستهلاك الترفي واضحة المعالم في بلد مثل الكويت، ولا يمكن التحكم بها من دون تبني سياسات حكومية رشيدة. لا شك هناك مظاهر لسلوكيات غير عقلانية في الاستهلاك مثل ما يحدث في شهر رمضان، حيث ترتفع معدلات استهلاك المواد الغذائية على الرغم من أن فلسفة الصيام تؤكد أهمية ضبط النفس البشرية والسيطرة على مظاهر البطر والإسراف في الحياة المعيشية. غني عن البيان أن مثل هذه المظاهر الاستهلاكية تؤدي إلى ارتفاع معدلات السمنة بما يعني زيادة أعداد المرضى بما يزيد من تكاليف الرعاية الصحية، كيف يمكن السيطرة على هذه الظواهر غير السوية من دون توافر فلسفة مجتمعية تؤثر الحرص على الثروة والحد من الهدر في كل مناحي الحياة؟ إذا كان المجتمع السياسي يحرص على كسب الود السياسي على الأمد القصير من دون مراعاة متطلبات التنمية المستدامة وحماية الأموال العامة والخاصة من أجل ضمان معيشة كريمة لأبناء الأجيال القادمة، فهل نتوقع ترشيداً في الاستهلاك بكل أنواعه؟ هناك، الآن، من يطالب بإعادة النظر في أسعار البنزين التي رفعت في أوائل سبتمبر 2016، ومراجعة رسوم الكهرباء من أجل إعادتها إلى مستوياتها المنخفضة. لذلك، فإن عملية الترشيد الاستهلاكي تتطلب منظومة قيم عقلانية وقناعات حكومية بأهمية المبادرة للتحفيز على الترشيد.
عامر ذياب التميمي
مستشار وباحث اقتصادي كويتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق