ويشير التقرير إلى أن التجارة العربية البينية مازالت تعاني الضعف رغم إبرام الدول العربية اتفاقيات للتجارة الحرة وتيسير التبادل. حيث انها - أي التجارة البينية بين الدول العربية - وفق اخر احصائيات لم تتعد 10%، في وقت توجد مبادلات تجارية متزايدة مع بقية دول العالم الاخرى في وقت توجد مبادلات تجارية متزايدة مع بقية دول العالم الاخرى.
ويرى التقرير أنه على الرغم من المبادلات التجارة العربية البينية شهدت نموا كبيرا في ظل مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إلا أنه هناك العديد من المعوقات التي تواجه التطبيق الفعلي للبرنامج التنفيذي لهذه المنطقة. ولعل وأهم دليل على ذلك تدني مستوى التجارة العربية البينية إلى حدود 10 %، ويلخص التقرير أهم هذه المعوقات التي تواجه تنمية المبادلات التجارية البينية في غياب الشفافية والمعلومات حول التعامل أو التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، خاصة فيما يخص الإفصاح عن كافة الإجراءات الإدارية والسياسات الاقتصادية المختلفة التي تشكل عنصرا أساسيا في عملية تنفيذ المنطقة، هذا الغياب ينجم عنه انعكاس سلبي يؤثر على مجرى التطبيق الفعلي للمنطقة. بالاضافة إلى التمييز في المعاملة الضريبية، حيث هناك فرض الضريبة على السلع المستوردة تختلف نسبتها عن النسبة المفروضة على المنتج المحلي مثل ضرائب المبيعات، ضريبة الاستهلاك، ضريبة الإنتاج أو ضريبة القيمة المضافة، كما أنه هناك حالات يتم فيها فرض رسوم مختلفة مثلما هو الشأن في حالة فرض رسوم مطابقة للمواصفات، مما يقلل من فرص المنافسة العادلة مع المنتج المحلي، كما أن فرض رسوم الخدمات على شكل نسب مئوية من قيمة السلعة المستوردة ينتج عنه تأثير مماثل للرسوم الجمركية، وبالتالي يؤدي إلى معاملة تمييزية للمنتج المحلي.
ويصف التقرير تلك المعوقات بأنها معوقات بيروقراطية وتعقيدات جمركية وضريبية تتبعها بعض الدول العربية، وهي تشكل عائقا أمام جذب الاستثمارات العربية والاجنبية للمنطقة العربية.
كما شملت المعوقات التي توصل لها تقرير الامانة العامة للاتحاد، القيود غير الجمركية التي ما زالت تشكل صعوبات للمستثمرين والتجار، وفي الواقع فبالرغم من تخفيض التعريفة الجمركية إلى الصفر لم تحقق زيادة في التدفقات التجارية نظرا لعدم التزام الدول بإزالة كافة القيود الإدارية والنقدية والكمية بجانب تحرير السلع العربية من الرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل.
وبشكل أكثر دقة وتفصيلا يلخص التقرير أهم هذه القيود الكمية وغير الجمركية في وجود قيود فنية خاصة بالاشتراطات في الدول العربية، أي تعددية المواصفات لنفس المنتج وتعدد وتضارب الاجتهادات الإدارية في تطبيقها، مثل وضع العلامات واللاصقات على المنتج ودلالة المنشأ، وأنواع العبوات وغيرها، كما تقوم الدول العربية بتغيير في المواصفات والمقاييس دون إشعار مسبق، اضف إلى ذلك منع استيراد سلع معينة بحجة حماية السلعة الوطنية دون الحصول على استثناء. إلى جانب القيود الإدارية وهي قيود خاصة بموضوع إعادة التثمين الجمركي، وكثرة الوثائق الإضافية غير الضرورية التي تتطلب مع البضاعة، ومشاكل النقل بالعبور، وإجراءات التخليص الجمركي وتكاليفها، وكذا الإجراءات المعقدة لفحص العينات والتخليص عند المعابر الحدودية. فضلا عن القيود النقدية والمالية، حيث إن بعض الدول العربية ما زالت لديها قيود على إجراءات التحويل وتعدد أسعارالصرف ومخصصات النقد الأجنبي وتشدد في إجراءات الائتمان (ما عدا دول مجلس التعاون، لبنان والأردن التي تفرض قيودا نقدية). اضف إلى ذلك المبالغة في رسوم تصديق القنصليات على شهادات المنشأ، حيث يتم تحصيلها في بعض الدول العربية حسب قيمة الفاتورة. كما أن اعتماد أغلب اقتصاديات البلدان العربية على إيرادات الجمارك والضرائب لسد احتياجاتها المالية والتنموية، أكبر عوامل إعاقة التعاون الاقتصادي العربي.
اتحاد الغرف الخليجية: الحكومات لا تتحمل وحدها مسؤولية الضعف التجاري المتبادل
وبالعودة لأبرز المعوقات التي شكلت عاملا في ضعف حجم المبادلات التجارية العربية أشار تقرير الامانة إلى موضوع المغالاة في طلب الاستثناءات، حيث شملت الاستثناءات التي طلبتها الدول مختلف أنواع القيود الجمركية وغير الجمركية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل، وعدم تطبيق التخفيض التدريجي على الواردات السلعية من الدول العربية، كما اتضح أن الدول التي تطلب الاستثناء تبالغ فيه، فأصدر المجلس في دورته بتاريخ آذار 2002 القرار رقم 233 بالحد من طلب الاستثناء وجعله في حدود لا تضر بالتطبيق، بحيث لا تتجاوز 15 % من متوسط الصادرات ولمدة 5 سنوات متاحة، كما لا يجوز تطبيق أكثر من استثناء واحد للسلعة الواحدة، أي أن السلعة التي تحصل على استثناء لا يجوز للدولة أن تطلب استثناءها مرة أخرى، وأن لا يقع ضرر نتيجة التحرير التدريجي على السلعة التي يطلب لها الاستثناء.
ويضيف التقرير:» يلاحظ من خلال التجربة التي مرت بها المنطقة أن الاستثناءات أدت إلى ما يسمى بالعدوى السلبية، حيث قامت بعض الدول (والتي كانت في الأصل قد حررت السلع المستوردة من الاستثناء) بإش?ار مبدأ المعاملة بالمثل».
ولم يغفل التقرير مسألة فرض الحظر على استيراد بعض المنتجات الزراعية، فقد لجأت بعض الدول العربية إلى فرض الحظر على استيراد بعض المنتجات الزراعية من الدول الأعضاء، إذ أثبتت التجربة العملية صعوبة تطبيق التحرير الشامل لتجارة السلع الزراعية، ما دامت أن جميع الدول العربية يمثل الإنتاج الزراعي نسبة مهمة في اقتصادها، لم تلتزم بتطبيق نص تحرير السلع الزراعية والحيوانية سواء في شكلها الأولي أو بعد إحداث تغيير عليها.
ويرى التقرير أيضا أن ضعف المقومات والبنيات الاساسية في الدول العربية شكلت عائقا ايضا لعل في مقدمتها وسائل النقل البري والبحري، الاتصالات. ويرى التقرير أن هذه الوسائل تكاد تكون منعدمة بين المشرق والمغرب مما يجعل التجارة بين جناحي الوطن العربي تكون منعدمة ومتدنية، وهذا ما يعتبر أيضا ارتكاز التبادل التجاري العربي على الدول المتقاربة جغرافيا.
ومن بين المعوقات التي حددها التقرير عدم تحديد قواعد المنشأ باعتبار أن التأخير الحاصل في الاتفاق على قواعد المنشأ رغم الانتهاء من صياغة الأحكام العامة لها، يترك انعكاسات سلبية على تطبيق المنطقة وبالأخص قضية الاستثناءات، الأمر الذي يتطلب الإسراع من الانتهاء من تحديد قواعد المنشأ التفصيلية تحديدا دقيقا للوقف والحد من التلاعب.
كما يشير التقرير الى مسألة اعتماد أغلب الدول العربية في عملياتها التجارية على الخارج، حيث ان الصناعة العربية ضعيفة بالمقارنة مع باقي دول العالم، فهي تحصل على المنتجات الصناعية من الدول المتقدمة، وكذا تشابه صادرات الدول العربية فهي مواد أولية كالنفط والحديد، وهي منتجات يتعذر زيادة صادراتها إلى الدول العربية الأخرى، وهو ما يفسر ربما ضعف نسبة التجارة البينية العربية. أضف إلى ذلك ضعف الهياكل الاقتصادية العربية من جهة وتشابهها من جهة أخرى، مما أدى إلى تخوف من فتح الأسواق العربية على بعضها، واستمرار بقاء الدول العربية على هامش النظام التجاري الدولي بنسبة متواضعة جدا من حجم التجارة العالمية للسلع والخدمات.
اعتبر التقرير أن غياب قطاع الخدمات في المنطقة، رغم دعوة المجلس الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية إلى مفاوضات لتحرير التجارة في قطاع الخدمات، إلا أن ذلك ظل مقصورا على خمس دول ?ي المغرب، تونس، مصر، الأردن وموريتانيا بقيمة إجمالية قدرت ب 69,6 مليار دولار. ويؤكد التقرير أن لتجارة الخدمات أهمية بالغة في النشاط الاقتصادي والاستثماري ويؤدي تحريرها إلى زيادة التجارة في السلع والخدمات وزيادة النموالاقتصادي وفرص العمل.
توصيات ومقترحات
أشار تقرير الامانة العامة للاتحاد إلى أن تبني قرار إنشاء منطقة التجارة الحرة الكبرى ?و بداية الطريق نحو التكامل الاقتصادي العربي وأما الوصول إلى نهايته بنجاح فهو مرهون باستمرارية القرار السياسي والاقتصادي للمضي في هذا الاتجاه، وبالقدرة العربية على التخطيط السليم لإرساء قواعد التقارب الاقتصادي العربي».
وهنا يقترح التقرير عدداً من التوصيات والمقترحات لمعالجة وتذليل معوقات التجارة العربية البينية منها إنشاء إدارة متخصصة معنية بشؤون منطقة التجارة الحرة في كل دولة عربية وتذليل العقبات أمامها، بالاضافة إلى تطوير ورفع كفاءة ومستوى أداء الإدارة العامة في الدول العربية ( الإدارات الجمركية، إدارات الموانئ و إدارات المعابر الحدودية).
وفقاً للتقرير فإن إيجاد سلطة فعالة فوق قطرية في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي تؤمن الوفاء بالالتزامات من قبل الدول الأعضاء تنفيذا للاتفاقيات والقرارات المتخذة، وتعمل على إزالة كل القيود والعقبات غير الجمركية. ويدعو التقرير هنا إلى توفير بيانات عن الأسواق وفرص التصدير والاستيراد والخدمات الملحقة من نقل وتخزين وترويج وتسويق، والإسراع بخطوات إقامة الاتحاد الجمركي بين الدول العربية، بحيث يكون هناك تعريفة موحدة لكل الدول المنظمة لمنطقة التجارة مع العالم الخارجي.
ويوصي التقرير بأهمية أن تكون القيود غير الجمركية أكثر وضوحاً وشفافية من أجل العمل على إزالتها وذلك من خلال تحقيق الانسجام في القوانين والتشريعات المطبقة في كل دولة عضو. بالإضافة إلى تحقيق ربط أفضل بين الأسواق المالية المحلية مع الأسواق المالية العالمية وتنسيق أفضل السياسات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، وضمان حرية حركة البضائع والأفراد ورؤوس الأموال مترافقا بالبيئة السلمية في المنطقة.
في ذات الصعيد، يدعم رئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي الاستاذ خليل الخنجي، ما ورد من معلومات في التقرير بأن حجم التجارة العربية البينية لا يرتقي إلى المستوى المطلوب رغم وجود فرص استثمارية واعدة لزيادة حجم التجارة العربية، بخاصة ما تعلق بالاستثمار في قطاعات كالزراعة والصناعة والسياحة والعقارات والنقل العام وهي قطاعات قادرة على زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية.
ويجزم خليل الخنجي أن من شأن الدول العربية مضاعفة حجم المبادلات التجارية فيما بينها في حال تم معالجة وتذليل عقبات جمركية واجرائية وتنظيمية مما يعيق انسيابية تدفق السلع والاستثمارات بين الدول العربية.
ويقول الخنجي:»الدول العربية بمقدورها أن ترفع حجم تجارتها البينية لأكثر من 10% بنسب كبيرة في حال عملت على معالجة المعوقات من أجل زيادة حجم نمو التجارة العربية البينية، مما سيخلق فرص استثمارية ووظيفية في المنطقة العربية، خاصة وأن معدلات البطالة في المنطقة العربية تعتبر تحديا سياسيا واجتماعيا مما يتطلب تحسين الوضع بهذه المنطقة من خلال خلق وظائف جديدة عبر ترويج الأعمال والمشاريع ودعم التجارة».
ويضيف:» معاجلة معوقات التجارة البينية يتطلب زيادة الاستثمارات العربية في القطاعات الإنتاجية بالبلدان العربية وتسهيل حركة التجارة من مناطق الانتاج الى مناطق الاستهلاك، وتطوير البنية الأساسية وتنسيق الاستثمارات الجديدة بحيث تصبح تكاملية وليست تنافسية، وضمان الاستثمارات البينية ضد المخاطر غير الاقتصادية من خلال الحكومات العربية، وتوحيد المواصفات القياسية وتحسين بيئة الاستثمار في الدول العربية من خلال تقليل الإجراءات البيروقراطية. ويرى ان الدول العربية بحاجة لتطويرعلاقاتها التجارية في وقت لازالت الاسواق العالمية تعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية.
وفي ختام تصريحاته قال رئيس الاتحاد «الحكومات العربية لا يمكن أن تتحمل وحدها مسؤولية ضعف حجم التجارة العربية البينية، وانما القطاع الخاص العربي يجب أن يكون مبادراً بطرح حلول ومعالجات لتلك المعوقات، كما ان الحكومات العربية يجب ان تحرص على دعم دور القطاع الخاص لممارسة دوره كشريك اساسي في برامج التنمية الاقتصادية وتسهيل انتقال رجال الأعمال والمستثمرين العرب ورؤوس اموالهم بحرية بين الدول العربية وتسهيل حركة وسائط النقل العربية عبر المنافذ الحدودية، وبما يسهم في تنمية التجارة العربية البينية والتجارة العابرة (الترانزيت)».وأضاف: «يجب عدم الاكتفاء بوضع التشريعات والانظمة، وإنما نحتاج الى تطبيق فعلي لهذه التشريعات ووضعها في المسار الصحيح».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق