استثمارات المياه في المنطقة العربية.. أجندة سياسية جديدة

. . ليست هناك تعليقات:



نقلًا عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)
إدواردو بورغومو ومحمد المنصوري ونونو سانتوس

كيف يمكن أن يساهم التمويل العام والخاص في الاستثمارات المستدامة في المياه؟ تزداد أهمية هذا السؤال بالنظر إلى الضغوط التي يفرضها النمو السكاني وتغير المناخ وأنماط الحياة المتغيرة على موارد المياه، وتزداد أهميته أكثر وأكثر في المنطقة العربية حيث تندر موارد المياه وتتحمل المالية العامة المزيد من الأعباء وترتفع معدلات البطالة.

تُعتبرالمنطقة العربية من مناطق التوتر على مستوى العالم فيما يتعلق بالاستخدام غير المستدام للمياه، حيث يتجاوز الاستهلاك الحالي للمياه حدود الاستدامة بنسبة 30% على الأقل. وقد ظهرت أيضًا تحديات مالية مع تدهور التوازن المالي الكلي (الإيرادات الضريبية والعائدات من الأصول المباعة مطروحًا منها الإنفاق) في المنطقة منذ عام 2008. وأخيرًا، يمثل استمرار البطالة بين الشباب وارتفاع معدلاتها، المقدرة بنحو 25% على مدى الخمس وعشرين سنًة الماضية، تحديًا ملحًا في معظم الدول العربية.

ومع وضوح مدى أهمية جذب مستثمرين من القطاع الخاص لتوفير فرص عمل والتحرك نحو تحقيق التنمية المستدامة، فإننا نحتاج إلى وضع أجندة سياسية جديدة تٌمهد الطريق للاستثمارات المستدامة من القطاعين العام والخاص في قطاع المياه.

عدم كفاية التمويل

يُشكل تمويل المياه تحديًا مروِعًا. وبالرغم من الجهود الهائلة التي تبذلها البلدان العربية، إلا أن معظمها لا ينفق ما يكفي في قطاع المياه، ولا يتعلق الأمر فقط بكمية الإنفاق، ولكن بنوعيته أيضًا. ولمعالجة هذا النقص، ينبغي تعبئة رأس المال الخاص والدراية الفنية على نطاق غير مسبوق. وهذا الأمر صحيح بالنسبة لقطاع المياه، ولكنه مطلوب أيضًا للقطاعات الأخرى. تحتاج المنطقة إلى استثمارات عالية الجودة بقيمة تريليونات من الدولارات في جميع القطاعات حتى تتقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

يتزايد الدور الذي يلعبه القطاع الخاص بالفعل في تمويل الاستجابة للتغير البيئي العالمي. على سبيل المثال، يوجه المستثمرون من خلال السندات الخضراء في جميع أنحاء العالم المزيد والمزيد من الموارد لتمويل المشروعات التي تركز على القدرة على مواجهة تغير المناخ والاستدامة البيئية. وقد شهد سوق السندات الخضراء نمواً هائلاً في السنوات الأخيرة، حيث بلغ 180 مليار دولار في 2019.

يبدو أن عمليات الابتكار المستمرة في المنتجات المالية تبشر بتحسين كمية ونوعية الاستثمارات في قطاع المياه في المنطقة العربية وذلك بربط الاستثمار بالأداء البيئي. على مدار العامين الماضيين، ظهرت القروض المرتبطة بالاستدامة كأداة جديدة للتمويل المستدام. وتختلف هذه القروض عن السندات الخضراء حيث تربط أسعار الفائدة بأهداف أداء الاستدامة، بما في ذلك الحفاظ على المياه، بينما تربط السندات الخضراء التمويل بالاستثمارات التي تستهدف تحديدًا القدرة على مواجهة تغير المناخ والاستدامة. ومن ثَم، يتضح التحسن في الأداء البيئي للمقترض، الذي يُقاس بمؤشرات أداء محددة، من انخفاض تكاليف الاقتراض. ولهذه الآليات إمكانات كبيرة، لذا تعتمدها الشركات الكبيرة، مثل شركة Xylem واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا المياه.

ومع ذلك، تختلف هذه الآليات فيما بينها اختلافًا كبيرًا من حيث النطاق والعمق، أي أن تطبيقها قد يكون صعبًا من الناحية العملية. كما يُستخدم تمويل التنمية بشكل متزايد في دعم المشروعات منخفضة الانبعاثات الكربونية والمشروعات القادرة على مواجهة تغير المناخ، ومع ذلك، فإن نطاق تمويل المناخ المتاح لمشروعات المياه لا يزال محدودًا مقارنًة بالتدفقات الأخرى للتمويل التنموي. يمكن بذل مزيد من الجهود لتعبئة التمويل من أجل التكيف المتمركز حول المياه على اعتبار أن هذه الاستثمارات تبني القدرة على التأقلم والصمود، وتقلل في الوقت نفسه من الانبعاثات الكربونية، على سبيل المثال من خلال تحسين الكفاءة في استخدام المياه والطاقة في الري.

الأولويات الأربعة

بينما يمكن أن تساعد الابتكارات المالية في تسخير الاستثمارات الخاصة من أجل التنمية المستدامة والأمن الغذائي، إلا أن الاستفادة الحقيقية منها تتوقف على وجود سياسات التمكين. هذه هي الرسالة الأساسية لتقرير «نحو جيل جديد من السياسات والاستثمارات في المياه الزراعية في المنطقة العربية: أرض خصبة للابتكار»، الذي قدمناه سابقًا هذا العام لجامعة الدول العربية، والذي تم إعداده للاجتماع الوزاري الرفيع المستوى المعني بسياسات المياه الزراعية الذي انعقد في 4 أبريل/ نيسان في القاهرة. ويسلط التقرير الضوء على أربع أولويات سياسية أساسية يجب التركيز عليها لزيادة التمويل الخاص والعام والابتكار من أجل استدامة المياه، وإلا سيكون من الصعب بناء الأسس اللازمة للتمويل الناجح.

الأولوية الأولى هي تقدير قيمة المياه، وهو ما يعني حمايتها من حيث الكمية والجودة، بحيث يمكن تخصيصها للمناطق ذات القيمة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية الأعلى. وإذا لم نعرف القيمة الحقيقية للمياه، فلن نتمكن من حماية حق الإنسان في المياه، أو الاستفادة من إمكانات المياه الإنتاجية لدعم الحق في الغذاء. ويعد استرداد تكلفة الري من طرق تقدير قيمة المياه، حيث قامت العديد من البلدان العربية مؤخرًا بإدراج أسعار المياه في مشروعات الري العامة. وبالنظر إلى الدروس المستفادة من المبادرات السابقة والتكنولوجيات الجديدة المتاحة، يمكن بذل المزيد من الجهود لإشراك القطاع الخاص في تطوير وتشغيل وصيانة البنية التحتية للري والصرف الصحي. وحيث أن القياس يدعم التقييم، لذا ينبغي وضع سياسات لسد فجوة البيانات، وتحديدًا لتعزيز قدرات المحاسبة المتعلقة بالمياه ونمذجتها. ومع الإطلاق الرسمي للمبادرة العالمية لتقدير قيمة المياه في 2019، فقد حان الوقت الآن لإحداث تغيير منتظم في طريقة تقدير قيمة المياه.

الأولوية الثانية، ينبغي أن تعمل السياسة على الإسراع بوتيرة التحول في النظم الغذائية، فالمياه هي أساس هذا التحول، مع توفير الإدارة الأكثر موثوقية وشفافية واستدامة لهذا المورد الرئيسي اللازم لتطوير قطاع الأغذية الزراعية والزراعة ذات القيمة الأعلى. يجب أن تهدف السياسات إلى تعزيز سلاسل القيمة الغذائية القادرة على مواجهة تغير المناخ، والحد من فقد الأغذية وهدرها، وبناء القدرات، وتعزيز القدرة التنافسية للأسواق، فمن شأن ذلك أن يساعد على زيادة إنتاجية المحاصيل الأساسية والمحاصيل التنافسية التي يمكن تصديرها. تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا هنا. يمكن للتكنولوجيا الزراعية التي توفر المياه مثل الزراعة المائية أن تحسن رفاه، بما في ذلك الحالة التغذوية، المزارعين ومجموعات الأشخاص الأقل اندماجًا في سوق العمل، وخاصًة اللاجئين. ويعني تحقيق هذا التحول أيضًا إعادة تقييم سياسات دعم محاصيل معينة لا تتمتع المنطقة بميزة نسبية في زراعتها. ما لم يتم استبدال أدوات السياسة التي تشوه الأسواق الزراعية بتدابير دعم أكثر ملاءمة للسوق، فلن يكون من الممكن خلق بيئات تجارية داعمة للاستثمار في الزراعة الحديثة ذات القيمة المضافة العالية. أخيرًا، يتوقف تحول النظام الغذائي على تحسين إدارة موارد المياه، وخاصًة المياه الجوفية، حتى يتسنى معالجة قضايا الإنصاف والاستدامة بين الاستخدامات والمستخدمين. قد تكون هذه هي المهمة الأكثر صعوبة، حيث أن نماذج حوكمة المياه الجوفية الحالية المتمركزة حول الدول لم توقف النضوب، كما أن حالات النجاح في الحوكمة المجتمعية والحوكمة القائمة على المشاركة نادرة للغاية.

الأولوية الثالثة، ينبغي اتخاذ التكنولوجيا الرقمية أساسًا لإدارة المياه الزراعية، فالتكنولوجيا الرقمية لا تتعلق فقط بالبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات أو الهواتف المحمولة، بل هي بالأحرى مجموعة متكاملة من الفرص التي تُمكن من الاستفادة من التكنولوجيات التي تتنوع ما بين الاستشعار عن بُعد إلى مراقبة النتح التبخري وإنترنت الأشياء والتحليلات المتقدمة، وصولًا إلى الخدمات التي تركز على المزارعين بغرض توجيه تطبيقات الري وغيرها من تطبيقات إدارة المياه. في مشروع الجزيرة للري في السودان، تقوم التحليلات الجغرافية المكانية التي تستخدم تكنولوجيا الاستشعار عن بعد برصد الاحتياجات المائية للمحاصيل وتقديم المشورة للمزارعين بشأن صحة النبات واحتياجات المياه عبر الرسائل القصيرة، وهو ما أدى إلى زيادة الغلة بنسبة تتراوح ما بين 200٪ إلى 250٪.

الأولوية الأخيرة، هناك حاجة لاتخاذ إجراءات حاسمة لتحسين استهداف تدابير الحماية الاجتماعية. وتعتبر التحويلات النقدية وشبكات الأمان الاجتماعي مفيدة للتماسك الاجتماعي والتقدم في المنطقة. يسلط تقريرنا الضوء على أن السياسات الحالية التي تركز على خفض أسعار استهلاك منتجات غذائية معينة لم تسهم في تحسين القدرة التنافسية الزراعية، ولم تساعد في معالجة المعدلات المرتفعة لسوء التغذية والسمنة في المنطقة. من ناحية أخرى، من شأن التدابير المستهدفة مثل التحويلات النقدية أن تُمكن الأفراد وتعزز سياسات الحماية الاجتماعية، فضلا عن مساهمتها في تحقيق نتائج إيجابية للأمن الغذائي. وكما يتضح من تقييمات أول برنامج للتحويلات النقدية في مصر، تكافل وكرامة، فإن الاستهداف الأفضل يمكن أن يحدث فرقًا إيجابيًا في حياة المستفيدين الفقراء المعرضين لتقلب أسعار الغذاء.

نحو نظم غذائية زراعية مستدامة في المنطقة العربية

يساعد التوجه نحو الاستثمارات الزراعية في المنطقة العربية المجتمعات على الازدهار على الرغم من وجود التحديات البيئية. بدءًا من القرن السابع وحتى القرن الحادي عشر، غير هذه التوجه بشكل جذري ممارسات إدارة المياه في منطقة شاسعة، تمتد حاليًا من الهند إلى إسبانيا. ولم تؤثر هذه العملية فقط على الإنتاج والدخل الزراعي، بل أثرت أيضًا على النمو الحضري وأسواق العمل وغيرها من مجالات الحياة.

إذا استمر هذا التوجه نحو الاستثمارات الزراعية في المنطقة واستجاب للتحديات الحالية، فيجب أن تكون الجهات الفاعلة المحلية والعالمية على استعداد لتحول إدارة المياه في النظم الغذائية. يبدأ هذا التحول بوضع سياسات سليمة تساعد في تعبئة التمويل الخاص المطلوب وتقليل التفاوتات والاختلالات الحالية في إمكانية الحصول على المياه. من شأن ذلك أن يساعد في تحقيق تحول النظم الغذائية، وهو الموضوع الرئيسي لقمة النظم الغذائية التي أعلنت الأمم المتحدة عن انعقادها في 2021 والمطلوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

. ... السيدة العربية

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

الاكثر قراءة

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

اخر المواضيع - شبكة الدانة نيوز الرئيسية

صفحتنا على فيسبوك

سلايدر الصور الرئيسي

?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا

حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة نيوسيرفيس سنتر للاعلام والعلاقات العامة . يتم التشغيل بواسطة Blogger.