ارشيف معلومات عن اوروبا

. . ليست هناك تعليقات:


تبعية أوروبا للولايات المتحدة; الأسباب وطبيعة العلاقات (الجزء الأول)

 

 

20‏/10‏/2013 - بريطانيا سعت إلى استغلال الثقل الأمريكى لإبرام اتفاقات اقتصادية وسياسية
 

 

 


حقائق- المقومات الأساسية "للعلاقة الخاصة" بين أمريكا وبريطانيا

العلاقات الأمريكية البريطانية هي العلاقات القوية والمثبتة بين الولايات المتحدة وبريطانيا ، وذلك بعد قرنين من الزمان عندما كانتا عدوتان في حرب الاستقلال ، ولعدة عقود كانت البلدان هما علاقات عامة وخاصة ، وتجمعهم الدبلوماسية والثقافة والسياسة وحتى المجال العسكري
فثبت العلاقات بين البلدين بداية عام 1900م ، شاركت معها الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية ، ثم الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية ، وثم حرب أفغانستان واحتلال العراق سنة 2003م.

العلاقات الخاصة

كان ما يطلق عليه ”العلاقة الخاصة“ بين بريطانيا والولايات المتحدة يمثل أحد أقوى التحالفات في القرن العشرين لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثار الشكوك حول مستقبل هذه العلاقة.

لكن ما هي العلاقة الخاصة وكيف يمكن المقارنة بين الولايات المتحدة وبريطانيا فيما يتعلق بالمقاييس الرئيسية؟

* الاقتصاد
الولايات المتحدة هي صاحبة أكبر اقتصاد في العالم إذ تبلغ قيمته نحو 20.4 تريليون دولار أي بنسبة 23 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وبريطانيا هي خامس أكبر اقتصاد في العالم بقيمة نحو 2.9 تريليون دولار أي بنسبة 3.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي هو المسؤول عن نصف التبادل التجاري الخارجي مع بريطانيا تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري منفرد لها تليها ألمانيا وهولندا وفرنسا والصين.

وبالنسبة للولايات المتحدة، بريطانيا هي سابع أكبر شريك تجاري بعد الصين وكندا والمكسيك واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية. وتعلن كل من بريطانيا والولايات المتحدة تحقيق فائض تجاري في البضائع مع الدولة الأخرى مما يشير إلى إنهما لا تقارنان المثل بالمثل.

وعلى مدى عقود اتفقت مواقف واشنطن ولندن فيما يتعلق بفتح الأسواق العالمية أمام التجارة الحرة. وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على تجارة الصلب والألومنيوم ”غير مبررة ومخيبة للآمال بشدة“.

* الجيش
الولايات المتحدة، التي تنفق على الجيش أكثر من أعلى سبع دول إنفاقا عليه مجتمعة، لديها مقترح بميزانية دفاعية لعام 2018 قيمتها 639.1 مليار دولار. ولديها ثاني أكبر عدد من الأسلحة النووية بعد روسيا.

وتدير البحرية الأمريكية أسطولا يضم 14 غواصة نووية من نوع أوهايو يمكن لكل منها حمل 20 صاروخا من طراز (ترايدانت 2 دي5) الذي يحمل عدة رؤوس نووية توجه لأهداف منفصلة.

أما بريطانيا، أكبر الدول إنفاقا على الدفاع داخل الاتحاد الأوروبي، فتنفق 40 مليار جنيه استرليني (53 مليار دولار) سنويا. وفرنسا وروسيا هما القوتان النوويتان الأخريان في أوروبا.

ولدى بريطانيا أسطول يضم أربع غواصات من نوع فانجارد يمكن لكل منها حمل 16 صاروخا (ترايدانت2 دي5) مستأجرة من مخزون من هذه الصواريخ تشترك فيه مع البحرية الأمريكية.

وقاتل جيشا البلدين جنبا إلى جنب في أوروبا وكوريا والكويت والعراق ويوغوسلافيا السابقة وأفغانستان وليبيا وسوريا. وتعتبر بريطانيا حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة أساس دفاعها.

وطالب ترامب حلفاءه الغربيين بزيادة مدفوعاتهم لحلف شمال الأطلسي. وتعمل الولايات المتحدة من عدة قواعد عسكرية في بريطانيا منها القواعد الجوية الملكية ليكنهيث وكروتون ومنويذ هيل.

* المخابرات
التعاون في مجال المخابرات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وثيق للغاية وهو أحد المجالات التي الرئيسية التي يعمل فيها التحالف عمليا.

وخلال الحرب العالمية الثانية أبرم البلدان اتفاق تبادل معلومات المخابرات الذي جرى توسيعه فيما بعد ليشمل كندا واستراليا ونيوزيلندا وأصبح اسمه ”العيون الخمس“.

ويجمع التعاون في مجال تبادل المعلومات بين تكنولوجيا التجسس الحديثة في الولايات المتحدة وعمليات المخابرات البشرية التقليدية البريطانية القوية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا والشرق الأوسط.

والتعاون وثيق بين أجهزة المخابرات في الداخل والخارج. وتعتبر البيانات التي تجمعها وكالة التنصت البريطانية (جي.سي.اتش.كيو) ذات أهمية خاصة في الاستخدام لوكالة الأمن الوطني الأمريكية نظرا لقوة الموقع الجغرافي لكل منهما.

ويبلغ حجم ميزانية المخابرات الأمريكية (باستبعاد المخابرات العسكرية) 55 مليار دولار في حين تبلغ ميزانية المخابرات البريطانية (أجهزة ام.أي5 وأم.اي6 وجي.سي.اتش.كيو) 2.3 مليار جنيه استرليني (ثلاثة مليارات دولار).

* المالية
لندن ونيويورك هما أكبر مركزين ماليين في العالم. ولندن هي أكبر مركز للصرف الأجنبي والأعمال المصرفية الدولية لكن نيويورك هي الأكبر في مجالات السندات والأسهم.

وتظل لندن هي أكثر المراكز المالية جذبا في العالم مواصلة تقدمها على نيويورك رغم الخروج من الاتحاد الأوروبي وفقا لبيانات مؤشر مؤسسة زد/ين لتصنيف المراكز المالية العالمية الذي يصنف 92 مركزا ماليا على أساس عوامل مثل البنية التحتية والقدرة على تعيين كفاءات مهنية.

وتهيمن لندن على أسواق الصرف الأجنبي العالمية التي يبلغ حجمها 5.1 تريليون دولار يوميا فتشهد لندن حركة صرف أجنبي أكثر مما تشهده الولايات المتحدة وبقية دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة.

وتبلغ قيمة مؤشر ستاندارد آند بورز الأمريكي الذي يضم نحو 500 من أكبر الشركات الأمريكية نحو 24.26 تريليون دولار وفقا لبيانات تومسون رويترز.

وبالمقارنة تبلغ قيمة مؤشر فاينانشال تايمز الذي يضم أكثر من 600 سهم يجري تداولها في بورصة لندن 2.67 تريليون جنيه استرليني (3.52 تريليون دولار) وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية. وفي بريطانيا تبلغ قيمة سوق السندات ستة تريليونات دولار وفقا لبيانات البنك.





مواضيع ذات صلة

هل ستسلك اوروبا طريقا مغايرا عن امريكا؟

وول ستريت جورنال: انتخاب روحاني من جديد اوجد فجوة بين اوروبا وامريكا حول ايران

الناتو يواصل مواقفه العدائية لروسيا ويتوعد بتعزيز قواته في اوروبا الشرقية

هل ستكسب اوروبا صبغة المانية بعد خروج بريطانيا؟


الفوارق الصادمة بين الأمريكي والأوروبي!

أمريكا تحذر بنوك أوروبا من التجارة غير "الدولارية" مع إيران

 

 

الولايات المتحدة أصبحت تشكل خطرا على الأمن الأوروبي

ترامب وتحطيم الاتحاد الأوروبي.. عندما يحمل الحليف معول الهدم!

 

الوقت

  نشأت العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الأولى، ومع مرور الوقت اتسعت العلاقة بينهما وتجاوزت العلاقات التجارية والاقتصادية. ومنذ ذلك الحين، انسحبت الولايات المتحدة رسميا من عزلتها وعملت على ايجاد توازن مع التهديد الألماني، وبعد الحرب العالمية الثانية، لعبت الحرب الباردة أيضا هذا الدور ضد الاتحاد السوفيتي. وخلال هذه الفترة، وقفت الولايات المتحدة ضد التهديد السوفياتي والشيوعي من خلال زيادة وجودها العسكري والإيديولوجي.

واستمرت هذه العلاقة في شكل حلف الشمال الأطلسي "الناتو" وعبر الأطلسي، الذي استمر حتى الآن. ومن هنا فصاعدا، رأت الولايات المتحدة نفسها انها القوة العظمى في العالم، وسعت إلى إنشاء منظمات عالمية على النحو الذي ترغب فيه. لذلك لم يكن النظام الدولي فقط بعهدة الولايات المتحدة لفترة طويلة، بل ايضا كان بعهدتها أمن وسلام اوروبا. ولكن اليوم وُجدت للقدرة أبعاد مختلفة، وبالإضافة إلى ذلك، فقد اكتسبت الحكومات الأوروبية في ظل الاتحاد الأوروبي قدرات عسكرية كبرى، وهنا يأتي هذا السؤال إلى الذهن وهو: مع الوضع الحالي، ما هي طبيعة العلاقات الأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؟ هل لا تزال أوروبا مرتبطة بالولايات المتحدة أمنيا، وهل هي تابعة لها؟
 فيما يلي أجوبة على هذه التساؤلات، حيث يُقسم النص التالي التحليل، إلى قضايا أمنية وغير أمنية، ومن ثم يناقش إمكانية التقارب أو الاختلاف في ذلك المجال.
1- الخلافات والتوافقات في العلاقات الأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة
 ان العلاقات الأمنية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عموما سليمة ومستقرة. والحقيقة أن ما يقوله البعض عن وجود خلافات في العلاقات الأمنية بين هذين، كاذبة وعارية عن الصحة من الأساس لأن الولايات المتحدة تقود نظاما عالميا يقوم على مبادئ وقيم غربية مشتركة. لذلك يجب أن لا يشك في ذلك. ومع ذلك، قد تكون هناك خلافات حول نهج الولايات المتحدة الأحادية الجانب من قبل الاتحاد الأوروبي، ومنشأ هذه المخالفات هي كالتالي:
1-1- مكافحة الارهاب
وفي الوقت الحاضر، فإن أكبر مشكلة في العالم في رأي الغرب، هي الإرهاب والتطرف وكذلك سبل مكافحته. وتكتسب هذه القضية أهمية خاصة بالنسبة للغرب، خاصة بعد الهجوم على المدن الغربية الهامة مثل باريس ولندن و ... في أوروبا.
إن وحدة أوروبا والتقارب مع الولايات المتحدة لحل هذه المشكلة والمشاركة في تحالف عالمي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة هي من بين القضايا التي تنطوي عليها السياسات الحالية لكلى الجانبين، بما في ذلك تقاربهما مع بعضهما. وبشكل عام، وضعت الولايات المتحدة منذ 11 ايلول / سبتمبر، سياسة مكافحة الارهاب على رأس جدول اعمال الدول والمنظمات بما فيها منظمة حلف شمال الاطلسي "الناتو"، وفي الوقت نفسه، تم تعريف مكافحة الارهاب على انه إحدی قضايا الامن القومي في مختلف الدول.
ان قائمة مطالب الولايات المتحدة المُكونة من سبعة وأربعين طلبا من الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب في مجالات تمويل الإرهاب والأنشطة المصرفية لهم، والتعاون القضائي والأمني في المحيط الأطلسي، وتبادل المعلومات الشخصية والسرية للناس، والتعاون الاقتصادي، والرقابة الحدودية والامنية، ودعم الولايات المتحدة لعزل القضايا المالية والاقتصادية والسياسية للدول التي تدعم الإرهاب و ... جميعها تؤكد هذه النقطة.
وتتقارب كل من أوروبا والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، خاصة بعد الهجمات المختلفة في أوروبا، ولكن في الفترة الحالية لديهما نهج مختلف. في عهد أوباما، رأى الأوروبيون وأوباما أن جذور الإرهاب تكمن بين شعوب المنطقة وتحركاتهم المناهضة للغرب، وأن الحل الذي تم الاتفاق عليه بينهما هو التقرب من حكومات المنطقة، ولا سيما إيران والأنظمة الأمنية والسيطرة على الأسلحة، مثل الاتفاق النووي.
 ولكن في عصر ترامب، هناك خلافات. فبالإضافة لوجود خطط لإرسال 4 آلاف جندي أمريكي تحت إطار حلف الشمال الأطلسي "الناتو" لمنع تنظيم داعش الارهابي من توسيع سلطته في أفغانستان، أعلن ترامب أنه لا يعارض وجود القوات البرية لمكافحة الإرهاب، أي أنه أظهر حتى الآن لا يمتلك اي استراتيجية مُعينة. وفيما يخص هذا الشأن، هناك فرق آخر يمكن رؤيته بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهو نوع التجربة ومعرفتهم بالإرهاب. إن الولايات المتحدة تعتبر الإرهاب من نوع واحد، أي إسلامي، وترى أيضا أنه خارج حدودها وانه عنصر خارجي، في حين يعتبر الاتحاد الأوروبي ان للإرهاب أنواعا مختلفة (بما في ذلك الانفصاليون) ولا يرونه مجرد أجنبي.
1-2- حرب العراق
ان حرب العراق هي السبب الرئيسي للاختلاف بين بعض الدول القوية في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وبلجيكا وفرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالولايات المتحدة، التي عانت من كارثة الحادي عشر من سبتمبر، وحظيت بدعم أوروبي كامل لمكافحة الإرهاب العالمي ومنع تكرار مثل هذه الكارثة الكبرى، ردت بشدة على معارضيها في أوروبا بسبب اعتراضهم على سياساتها الحربية. وقد انتقدت بعض الدول الأوروبية بشدة وخاصة البلدين المهمين، ألمانيا وفرنسا، سياسة جورج دبليو بوش الخارجية وعمله الأحادي الجانب دون توفر أدلة قوية، والأهم من ذلك، كانوا ينتقدون بشدة إعطاء مجلس الأمن الإذن لمثل هذا العمل، وما له من تداعيات بشأن مستقبل أوروبا نتيجة للعواقب من حرب العراق.
1-3- ایران
ترى الولايات المتحدة واوروبا ان ايران بلد داعم للإرهاب، واضافة الى موضوع مكافحة الارهاب، فهما يتفقان في الرأي فيما يتعلق ببرنامج ايران الصاروخي وضرورة مكافحة اسلحة الدمار الشامل. لكن الخلاف الطفيف بينهم هو سبب عداء ايران وكيفية مجابهتها. ان الأوروبيين يخشون من إيران بسبب عدم التزامها بالديمقراطية الليبرالية العالمية، وكذلك عدم التزامها بالقرارات الدولية، ودعمها للحركات الإسلامية في المنطقة، مما يعرض أمن الکيان الإسرائيلي للخطر.
كما يرتابهم القلق بشأن إمكانية بناء صواريخ سراً وزيادة القدرة النووية الإيرانية بشكل خفي، كما ينتابهم الاضطراب بسبب التدخل في العراق وأفغانستان واليمن، وتعريض الوضع في المنطقة للخطر. ولكنهم يعتقدون أنه يجب حلها من خلال التعامل البنّاء وبشكل تدريجي. لكن الولايات المتحدة تذعر من ايران من خلال طرح قضايا مثل حقوق الانسان والحصول على اسلحة الدمار الشامل ومخاوف من تقويض سلطة الولايات المتحدة في المنطقة وانهيار ميزان القوى ضد ايران وتهديد الحلفاء وفي نهاية المطاف، القضاء على النظام القائم في الشرق الاوسط.
ولكن النهج الأمريكي تجاه ايران، وخاصة خلال عصر ترامب، قائم على القضاء والإقصاء وليس على التفاوض والتعامل مع الاخر. وتعتزم الولايات المتحدة كبح جماح ايران بالكامل وبأقصى قدر ممكن وذلك من خلال تدمير برنامج إيران النووي والصاروخي. وكمثال على ذلك، يمكن الاشارة الى مقاطعة أي نوع من الصناعات حتى تلك التي لها صلة ضئيلة مع الملف النووي والصاروخي، مثل النقل، حيث ان مقاطعة شركة ماهان الجوية مثال بارز على ذلك. واتهمت الولايات المتحدة شركة ماهان الجوية بنقل اسلحة ومُسلحين الى سوريا وتعتقد ان الحد من هذه الخطوط الجوية من شأنه ان يُشكل ضغطاً على ايران بينما عارض الاوروبيون هذه الخطوة.
1-4- روسیا
تُعتبر روسيا التهديد الأول للاتحاد الاوروبي. وترمي روسيا الى انهيار الناتو والاتحاد الاوروبي. وأظهرت أيضا أنها ليست مستعدة للحد من نطاقها الإقليمي. لقد فهم أوباما هذا الموضوع بوضوح وأدرك القلق الاوروبي تجاه الموضوع، ولهذا السبب، في أزمة شبه جزيرة "القرم"، شهدنا نشر القوات الأمريكية في الجزيرة. على رغم أن الولايات المتحدة تعتزم، بصفة عامة، تمشيا مع سياسة التناوب في الشرق، نقل قواتها إلى شرق آسيا وتخفيض حجمها في أوروبا.
ومن المتطلبات الأخرى لهذه الاستراتيجية الكلية لأمريكا، تعزيز قدرة أوروبا بل ولعب دورها في النظام الدولي. وحافظت الولايات المتحدة على حوالي 40-35٪ من أسطولها البحري في أوروبا، ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى 35-30٪ بحلول عام 2030. كما تؤثر هذه العقوبات أيضا على البلدان الأوروبية بالإضافة إلى تضئيل النشاط التجاري مع إيران وروسيا.
ومن خلال فرض هذه العقوبات، تعتزم الولايات المتحدة خلق فرص عمل في قطاع النفط والغاز لسكان الولايات المتحدة والضغط على الشركات الأوروبية. وبالنسبة للأوروبيين، تستخدم الولايات المتحدة العقوبات كأداة لإقصاء الشركات الأوروبية من المنافسة. وتحاول الولايات المتحدة اجبار اوروبا على شراء الغاز السائل منها والاستيلاء على السوق الروسية في هذه المنطقة.
سنتطرق في الجزء الثاني من هذا المقال الى الخلافات والتوافقات بشأن العلاقات غير الامنية بين اوروبا والولايات المتحدة ومدى التقارب والتباعد في العلاقات الاقتصادية بينهما، كذلك سيتم تبيين اسباب نقض الولايات المتحدة للإتفاقيات والمعاهدات الدولية وعدم الالتزام بها وما هي ردود الافعال التي صدرت تجاه ذلك وأخيرا أهمية الطاقة ودورها في العلاقات بين الدول الاوربية ومصادر تأمينها.


تبعية اوروبا للولايات المتحدة; الأسباب وطبيعة العلاقات (الجزء الثاني)

الوقت- تطرقنا في الجزء الأول من هذا المقال المعنون بـعنوان (تبعية اوروبا للولايات المتحدة، الأسباب وطبيعة العلاقات) الى الخلافات والتوافقات في العلاقات الأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة القائمة وأسبابها وما ترتبت عليه من تأزم او تحسن في العلاقات بينهما وعلى الدول الأوربية، وسنبين في الجزء الثاني من هذا المقال، طبيعة العلاقات غير الأمنية بين اوروبا والولايات المتحدة وتأثيرها على الاقتصاد الاوروربي.
2- الخلافات والتوافقات بشأن العلاقات غير الامنية بين اوروبا والولايات المتحدة
 ليس للعلاقة غير الأمنية بين الولايات المتحدة وأوروبا ذلك التماسك الموجود في علاقاتهما الأمنية، وخاصة في عصر دونالد ترامب، إذ نرى أرضية التباعد أكثر من ذي قبل. ولكن تجدر الإشارة إلى أنهما شركاء نوعا ما مع بعضهما البعض من خلال التعلق الأمني، القيم والثقافة في المجالات غير الأمنية ولا سيما المجالات الاقتصادية. وبمعنى علمي، ان الولايات المتحدة، التي تنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه يتنافس على أوراق اعتمادها غير الأمنية (وخاصة الاقتصادية)، قد اعطته دوراً في نظامها التي اوجدتها بنفسها للحافظ على التعاون والتقارب المنشود. وفيما يلي سيتم التطرق لهذا الموضوع.
۲-۱- التقارب والتباعد في العلاقات الاقتصادية
 يُعتبر الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية ركيزتين رئيسيتين في الاقتصاد العالمي، حيث هنالك حجم كبير من التبادلات الاقتصادية والمالية بينهما. في الواقع، ان هذين العاملين هما من يتحكم بالنظام الليبرالي في العالم. وفيما يلي سيتم التطرق الى التقارب والتابعد الموجود في هذه العلاقات. أولا، سنبدأ بما بتعلق في تعزيز التقارب، ومن ثم سنتطرق الى مؤشرات الاختلاف والتباعد.
۲-۱-۱- التقارب الاقتصادي
ان العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هي بحكم طبيعتها، أكبر علاقة اقتصادية في العالم. وقد تطورت هذه العلاقات الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث وصلت إلى 28 دولة بعد ان كانت من 6 دول أعضاء فقط. وأدى ارتفاع حجم التبادلات الاقتصادية بينهما إلى إجراء مفاوضات، وفي نهاية المطاف إنشاء شراكة من أجل التجارة والاستثمار عبر الأطلسي.
في عام 2012، بلغ حجم التجارة بينهما الى 1500 مليار دولار، مما يشير إلى مستوى التبادل التجاري بينهما. وفي نفس العام، أصدر الاتحاد الأوروبي بضائع بقيمة 265.1 مليار دولار إلى الولايات المتحدة (نحو 17.1 في المائة من إجمالي الصادرات الأمريكية) وحوالي 380.5 مليار دولار (حوالي 16.7 في المائة) من ميزان استيرادها. وبعبارة أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي هو أكبر مستثمر في العالم (حوالي 50٪ من قضية الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم) والولايات المتحدة بعد ذلك (25٪ من الاستثمارات العالمية).
ويبين الجدول رقم "1" حجم الاستثمار الأجنبي المباشر من قبل الولايات المتحدة وأوروبا مقارنة مع الصين والبرازيل والمجموع العالمي. وهما أيضا أكبر المستثمرين في مجال أسواق بعضهما البعض. ومنذ عام 2006، عزز حدثان هذا التقارب الاقتصادي. وهذان العاملان للتقارب الاقتصادي يشملان المجلس الاقتصادي عبر الأطلسي في عام 2007، الذي أحدث تقارب بين الدول والتُجار.





ان هذا المجلس هو أيضا مكان جيد لمناقشة القضايا الاقتصادية العالمية. وقد أقيمت فيه عدة لجان عمل ومؤتمرات في هذا الصدد. ولكن العمل الثاني الذي أدى إلى تفاقم هذا التقارب هو الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي التي بدأت مفاوضاتها في عام 2013. والهدف من هذه الشراكة هو القضاء على أي عوائق أمام التجارة بما في ذلك التعريفات الجمركية.
 وبالإضافة إلى الاستثمار، فإن للولايات المتحدة والاتحاد الاوربي حجم كبير من التبادل التجاري مع بعضهما البعض، بما في ذلك الشركاء التجاريين الأوروبيين للولايات المتحدة مثل بريطانيا وألمانيا.
۲-۱-۲- التباعد والاختلاف الاقتصادي
بعد انهيار الشيوعية، كانت شدة هذا التقارب الاقتصادي آخذة في التضاؤل لأنه مع تعزيز الاتحاد الأوروبي، أصبح هذا الاتحاد أكبر منافس تجاري للولايات المتحدة، وبعد ظهور عملة نقدية مشتركة، تضاعف هذا التهديد والتنافس. وتشمل القضايا المتباينة والخلافية الأخرى بينهما، المنافسة على كسب المزيد من الأسواق، الصلاحيات الامريكية الواسعة (فرض عقوبات من جانب واحد)، واليورو (إذا تم استبدال الدولار باليورو، فإن الولايات المتحدة ستواجه عددا من المشاكل الاقتصادية الخطيرة) وسياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن العلاقات التجارية، كل ذلك قد تسبب في تباعد هذه العلاقة.
ومن المناقشات الأخرى التي يمكن إجراؤها بشأن هذا الموضوع، احترام المنظمات الدولية التي تتسم بأهمية بالغة بالنسبة للأوروبيين. في عهد بوش، شهدنا انفرادية من هذا النوع، وخاصة فيما يتعلق بغزو العراق وغيرها من العقوبات الانفرادية الأحادية الجانب والتعسفية من قبل الولايات المتحدة. وقد شهد هذا الموضوع تحسن كبير خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ولكن خلال فترة ترامب، الرئيس الحالي، نرى مرة أخرى عدم احترامه للمنظمات والمعاهدات الدولية.
وبالإضافة إلى إلغاء ترامب للشراكة عبر المحيط الهادئ، إنسحب ترامب أيضا من معاهدة باريس للمناخ. كما هاجم بشكل مُكرر النافتا والناتو. ما يهم في هذا السياق هو موضوع الإنسحاب من منظمة التجارة العالمية. ان خطوة ترامب هذه تتناسب مع شعار "أمريكا اولاً" خلال فترة الانتخابات، ولكن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى تحرك نحو الاقتصاد الوطني من قبل بلدان أخرى، وبالتالي ستزداد التعريفات الجمركية، وهو ما يتناقض تماما مع القيم الليبرالية والغربية الجديدة.
2-2- التباعد وقضية البيئة ومعاهدة باريس للمناخ
في حين أن معاهدة باريس ذات أهمية كبيرة للأوروبيين، وخلال فترة أوباما، وبجهوده، كان أحد عوامل التقارب بين اوروبا والولايات المتحدة، لكن مع دستور ترامب القاضي بوجوب الانسحاب من هذه المعاهدة، تم اغلاق الطريق امام أحد اهم المسارات الايجابية بين الطرفين. وقد رد المسؤولون الأوروبيون بشدة على هذا القرار الأمريكي. هذا وقد الغى ترامب قبل شهرين، جميع قوانين ولوائح إدارة أوباما المتعلقة بتغير المناخ والاحترار العالمي من خلال توقيعه على أمر تنفيذي.
 وقد تخلى ترامب عن المعاهدة لانها اعفت بعض دول العالم الثالث والدول الاسيوية وحالت دون تطوير المصانع الامريكية. ويعتقد ترامب، إن المعاهدة نقلت المصانع، وبالتالي، الاعمال التابعة لها والعمال والعائدات من الإنتاج، من الغرب إلى الشرق، ولهذا السبب انسحب من المعاهدة. ولذلك، فإن انسحاب أمريكا من هذه المعاهدة سيزيد من القدرة التنافسية الأمريكية بالتأكيد. وإذا كان الاتحاد الأوروبي سيأخذ مسؤوليات الولايات المتحدة، فإن ذلك سيكلفها اموال طائلة. مع مقاطعة روسيا وانسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة هذه، سيتعين على الاتحاد الأوروبي شراء الغاز الأمريكي، وهو ما يعني أيضا زيادة الإنفاق في الاتحاد الأوروبي.
2-3- التباعد وأمن الطاقة
القضية المهمة التالية هي قضية الطاقة، ولا سيما طاقة غرب آسيا وجيران اوروبا الشرقيين. إن أوروبا، إذا أرادت أن تستمر في النمو اقتصاديا، تحتاج إلى إمدادات طاقة بشكل أكثر وأسرع من هذه المناطق، لذلك، فإن الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والاستقرار في هذه المناطق بالنسبة لأوروبا أمر حاسم بالنسبة لأمن النفط والطاقة. وتشكل دول الأوبك نحو 40٪ من واردات أوروبا من النفط الخام.
فعلى سبيل المثال، تمثل روسيا وليبيا والمملكة العربية السعودية ونيجيريا، على التوالي حوالي 30٪ و 3٪ ، 8٪ و 8٪ من الخام الأوروبي.
 كما يتم توفير معظم الغاز الأوروبي عن طريق روسيا والنرويج والجزيرة. ولذلك، فإن أي حالة من عدم الاستقرار أو انقطاع في العلاقات الدبلوماسية أو مقاطعة اعتباطية من جانب الولايات المتحدة لهذه البلدان، يمكن أن تسبب ضررا خطيرا لأوروبا. في حين أن الولايات المتحدة في حقبة ترامب لا تولي اهتماما كبيرا لهذا الموضوع لأن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط والطاقة.
في الجزء الثالث والأخير من هذا المقال سنشرح الخلافات والتوافقات في العلاقات الأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة وكيفية التجاوب مع التهديدات ودور الناتو في الحفاظ على الأمن ومنع نشوب الصراع بين الدول والرؤية العامة للاتحاد الأوروبي تجاه الناتو.

 
تبعية أوروبا للولايات المتحدة؛ الأسباب وطبيعة العلاقات (الجزء الثالث والاخير


الوقت-  بعد ان شرحنا في الجزئين السابقين من هذا المقال أسباب تبعية اوروبا للولايات المتحدة الأمريكية وطبيعة العلاقات الامنية والغير امنية بينهما وكيف أثرت العلاقات الاقتصادية والطاقة على تعاطيهم مع القضايا التي تخص الشأن الاوروبي، سنتطرق في الجزء الثالث والاخير من هذا المقال الى اسباب التقارب والتباعد في العلاقات الامنية والغير امنية للإتحاد الأوروبي ودور الناتو في مد جسور العلاقات بين اوروبا وامريكا.
3- أسباب التقارب والإبتعاد في العلاقات الأمنية والغير أمنية للإتحاد الاوروبي
سبّبَ التقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، تهديدات أمنية هي قائمة حتى الآن. وقد أدى استمرار التهديدات الأمنية، ولا سيما من قبل روسيا، إلى جانب العديد من العلاقات التاريخية والثقافية والقيمة، إلى وجود صلة عميقة بين الجبهة الغربية، ولا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبالتالي فإن الاستراتيجية الكلية والاستراتيجية الشاملة للاثنين هي مشتركة، ولكن الفرق هو في نوع التعامل على الأزمة وكيفية التجاوب مع التهديدات.
وتؤكد أوروبا بشكل عام على القوة الناعمة ونهج الجغرافيا الثقافية، في حين تؤكد الولايات المتحدة على القوة الصلبة والجيوسياسية "الجغرافيا السياسية". هذا النهج يتجسد حول القضايا الأمنية، وخاصة كيفية مكافحة الإرهاب، الاتفاق النووي والملف الروسي وغيرها. وكذلك تسعى أوروبا في إطار مجلس الامن التابع لأمم المتحدة، الى تثبيط إيران وروسيا تدريجيا وليس بشكل كامل، وأولوية مكافحة الإرهاب، ولاسيما تنظيم داعش الارهابي، والتعددية، والحاجة إلى العمل واحترام المعاهدات والمنظمات الدولية وضرورة العمل العسكري في إطار مجلس الأمن، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة، وخاصة خلال عهد ترامب، تتصرف عكس هذه البنود، على سبيل المثال، ان تنظيم داعش لا يعتبر تهديدا للمصالح الاستراتيجية الأمريكية.
كما أن لدى أوروبا رؤية مختلفة عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأزمة السورية وكيفية حل النزاع القائم في الشرق الأوسط، وتشدد على الحاجة إلى التعاون بين إيران وروسيا، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى مصالحها. ولذلك، تتشكل المصالح غير الأمنية في هذه المرحلة بالذات. تعتمد أوروبا على روسيا والدول الخليجية لتأمين الطاقة، وبالتالي فإن أهمية التعاون بين إيران وروسيا مهمة جدا بالنسبة لأوروبا.
وفي حين تفرض الولايات المتحدة عقوبات مختلفة على البلدين دون ان تلتفت ابداً الى هذه الرؤية. لذا فإن هذه الاختلافات القليلة ترجع ايضاً إلى مصالح مختلفة. كما تشعر أوروبا بالقلق إزاء مواجهة التبادلات التجارية المُكلفة مع الولايات المتحدة. بمعنى أنه في حال تغليب الاستراتيجتين الرئيستين للولايات المتحدة المتمثلة بـ"أمريكا أولاً" و "الحمائية الاقتصادية"، فإن ظهور نزاعات تجارية مع الاتحاد الأوروبي ودول مثل ألمانيا ليست بعيدة.
 وهذا أمر يزداد أهمية عندما نعلم أنه بعد الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008، لن تملك أوروبا ظروف اقتصادية مُساعدة. وفي هذا السياق، اعتبرت أوروبا أيضا أن إبرام اتفاق تجاري ثُنائي بين الاطلسين، يمثل فرصة عظيمة للهروب من حالتها الاقتصادية الراهنة.
4-الناتو: الجسر الرابط للعلاقات الأمنية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
كما ذكر سابقا، فقد رمت أوروبا نفسها إلى احضان أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، الأمر الذي جعل من السهل على الولايات المتحدة أن تسيطر على المنطقة وفي النظام العالمي. ولم تكن لأوروبا القدرة على أن تقف ضد الاتحاد السوفياتي بمفردها وكانت تحت مظلة الولايات المتحدة من حيث الجانب العسكري والأمني. وقد بذل الناتو جهودا للحفاظ على الأمن العام، ومنع نشوب صراع بين الدول الأعضاء، وإبقاء الولايات المتحدة ملتزمة في حفظ أمن أعضائها. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وجد الناتو أيضا وظيفة أخرى. ولغرض إبقاء الدول الاعضاء بإلتزامها، كان يُنظر إلى الناتو على أنه يتبع الاستراتيجيات الأمريكية ويتقاسم التكاليف والمسؤوليات.
هنالك ثلاث رؤى عامة من قبل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالناتو:
1- ذوي التوجه الأوروبي: تؤكد بلدان مثل فرنسا على ضرورة تعزيز القوة العسكرية وتعزيز قوة الجيش الأوروبي المستقل. وتسعى هذه المجموعة أيضا إلى زيادة دور الاتحاد الأوروبي في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وإعطاء عضوية لبلدان أوروبا الشرقية في هذه المنظمة. ويمكن رؤية ذلك في التوترات القائمة بين الناتو وسياسة الدفاع والأمن الأوروبية. (ستستجيب الولايات المتحدة لسياسة الدفاع - الأمني الاوروربي وذلك عندما  يتم تعزيز القوة العسكرية الاوربية التي ستعزز بطبيعة الحال قدرة الناتو، ولكن الولايات المتحدة ايضا ستقبل بهذا الأمر شرط الّا يصل الاتحاد الاوروبي الى مستوى امريكا وتبقى تابعة لها).
2- ذوي التوجه الأطلسي: تعتقد دول مثل بريطانيا أن أمن أوروبا يكمن في حلف الناتو، ويجب على الاخيرة ان تمنع تقليل الالتزامات العسكرية الأمريكية تجاه أوروبا.
3- الدول المحايدة مثل ألمانيا، التي تسعى لإرضاء جميع الأطراف
ومن ناحية أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى توسيع نطاق حلف شمال الأطلسي على الصعيد العالمي، بينما يرجح الأوروبيون، في مجال الأزمات التي تحدث خارج منطقة عبر الأطلسي، ان يتدخلوا على حِدة في كل أزمة وبالتنسيق والإشراف الكاملين من قبل الأمم المتحدة، لا سيما في المناطق الشديدة الخطورة. ومن الأمثلة على ذلك، معارضة ألمانيا دستور ترامب الجديد القاضي بإرسال قوات إلى أفغانستان، أو عدم انضمام القوات الألمانية إلى قوات الناتو الأخرى في كوسوفو.
كما أن الأوروبيين لم يتمكنوا بعد من ضمان كامل التكاليف المالية للسياسة الدفاعية والأمنية الأوروبية. انهم لا يريدون انفاق اثنين في المئة من اجمالي الناتج المحلي لهذا الغرض، حيث يفضلون أن تكون مسؤولية هذه التكاليف على عاتق الولايات المتحدة. وثمة مشكلة أخرى بالنسبة للناتو هي الانفرادية المفرطة للولايات المتحدة او الهجمات الاستباقية، كما كان الحال في حرب العراق.
وبشكل عام، ان الأوروبيين يرغبون بالتعددية ويرون من الضرورة العمل في اتجاه الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ولذلك، فإن الافتقار إلى عدم وجود درك مُشابه للتهديدات، فضلا عن طرق التعامل المختلفة مع التهديدات، هو أحد اسباب التباعد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومع ذلك، في هذه المرحلة من الوقت، فإن هذه المنظمة هي وسيلة لدعم الدول الأوروبية ضد المخاطر المحتملة من روسيا.
ومن هنا، يلعب الناتو حاليا دورا هاما في العلاقات الاوروبية - الامريكية وهو امر مصيري لكل من اوربا والولايات المتحدة. على الرغم من خلق ترامب مشاكل للأوروبيين. وقد تحدث ترامب في قمة بروكسل الأخيرة، بعد شعارات حملته الانتخابية، عن تسديد الديون وزيادة السهم المالي للدول الأوروبية في الناتو، لأنه وفريقه يرَون أن تكلفة أمن اوروبا لا ينبغي أن تتحملها الولايات المتحدة، وان زيادة نسبة 2 بالمئة في المدفوعات الالمانية هي لذات الغرض.
ومع ذلك، وعلى الرغم من توفر ظروف للتباعد والاختلاف، لكن لا يبدو أن التعاون الأمني في هذا الحلف سينعدم، وسنرى تقارب أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة وفقا للضمانات الأمنية السابقة لهذا الحلف، ولذا بشكل عام، فإن التقارب القوي موجود على الأقل في الوضع الراهن، حيث أنه لا يوجد الآن أي محاولة من جانب الاتحاد الأوروبي، سواء اقتصاديا أو عسكريا، للوصول إلى مستوى من الدفاع عن النفس ضد تهديدات مثل روسيا ولن نرى وجود آلية عسكرية مستقلة تماما للناتو.
 وبالإضافة إلى ذلك، مع إنسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فقد انخفضت قدرة هذا الإتحاد لوجستياً وعسكرياً للتدخل مباشرة والتعامل مع التهديدات.
الخلاصة
على الرغم من أننا نرى بعض أوجه التباين والاختلاف في العلاقات عبر الأطلسي، لكن لا يمكننا أن نتجاهل الثقل والأهمية الشديدة لتلك البنود. وبعبارة أخرى، فإن أوروبا، على الرغم من أنها قد تكون منافسا وقد تشكل تحديا في بعض الحالات، لكنها في النهاية تعتبر حليف للولايات المتحدة. وكما رأينا، فإن الإثنان متفقان حول السياسات الاستراتيجية، ولكنهما مختلفان من حيث الأساليب.
كما لا توجد أي اختلافات مجال السياسة العليا، وهم يعتمدون كليا على بعضها البعض في هذا الصدد. وبعبارة أخرى، إذا كانت أمريكا تُعتبر القوة الصلبة، فإن قوة ناعمة مثل أوروبا ستعتمد عليها بشكل كبير والعكس صحيح. ولذلك، بالإضافة إلى القيم المشتركة التي يتشاطرانها، فإن المصالح الوطنية لكل منها توجب عليهما أن يعملا معا من أجل تحسين إدارة النظام العالمي الحالي والحفاظ على استقرارهم الأمني (بأبعاده المختلفة).
ويختلف هذين الاثنين مع بعضهما البعض في زاوية النظر الى القضايا الأمنية حصراً، اضافة الى اختلاف ردة افعالهم تجاه القضية. ان الخلاف الأكبر بينهما هو غالبا ينحصر في النطاق الغير امني كإتفاقية البيئة والقضايا الاقتصادية. ولذلك، فإن فصل أوروبا عن أمريكا على الأقل في الوقت الحالي أمر غير محتمل وغير واقعي، لذا فإن ضرورة الحفاظ على الناتو مهم أيضا. ويبدو أن كل من أوروبا والولايات المتحدة يحتاجان إلى بعضهما البعض، وهم مضطرين للتعامل والتعاون فيما بينهما لأن التجاذبات والصراعات لن تعود بالنفع عليهما ابداً.


هل تتمكن أوروبا من الخروج من تحت عباءة الهيمنة الأمريكية؟ واشنطن وتل أبيب ودول الشرق الأوسط والتوازنات الجديدة

 

هل تتمكن أوروبا من الخروج من تحت عباءة الهيمنة الأمريكية، لتكون قطبا عالميا جديدا يقيم حالة من التوازن المتعدد الأركان بين روسيا الفدرالية وريثة الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية التي تريد الإستمرار في احتلال مركز القوة الأولى عالميا، والصين الشعبية؟. سؤال عاد ليطرح بإلحاح مع إقتراب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين من نهايته، ومع تشتت إنشغالات وتطلعات واشنطن بين آسيا ومنطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء.

  يرى المؤرخ الفرنسي جان جاك بيكر أن الحرب العالمية الأولى، “سجلت وصول الولايات المتحدة إلى الحياة الدولية التي لم تخرج منها بعد ذلك حتى إنها احتلت فيها تدريجيا المكانة الأولى على حساب أوروبا”.

ويقول المؤرخ والخبير الاقتصادي الفرنسي أوليفيه فيرتاغ: “ما من شك قطعا أن الحرب العالمية الأولى بتغييرها النهائي لتوزيع الاحتياطات المعدنية كانت السبب في التفوق العالمي للعملة الأمريكية الذي طبع كل القرن العشرين مشيرا إلى أن أوروبا انتقلت بين 1914 و1919 من موقع الدائن لبقية العالم إلى موقع المدين”.

 في صيف عام 1916 قال الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى واصفا الصراع الأوروبي “أن بريطانيا تمتلك العالم وألمانيا تريده”، وكان ذلك إشارة منه لضرورة البحث عن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وسط الأطراف الأوروبية المتهالكة إثر الحرب. وكان تحليله ذلك تحولا تاريخيا في الحياة الاقتصادية الأمريكية ومسارها الفعلي نحو الهيمنة على مقاليد الأمور في العالم بعد أن كانت إمكانياتها الاقتصادية العظيمة مكبوتة قبل حرب عام 1914 بفعل نظامها السياسي غير الفعال ونظامها المالي المختل وصراعاتها العمالية والعرقية العنيفة، وأضاف أن أمريكا كانت مثالا للفساد المدني وسوء الإدارة والسياسات المدفوعة بالجشع، بالإضافة إلى النمو والإنتاج والربح، وكان ويلسون يبحث عن ترسيخ السيادة الأمريكية في ظل التهاوي الأوروبي وقد تعضد هذا الوضع لمن تبعوه من ساسة واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، وهكذا كانت أوروبا نافذة الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على العالم.

 أوروبا انتقلت كذلك من مرتبة الدول الإستعمارية الأوسع سيطرة عالميا إلى مرتبة ثانوية بعد أن حلت الولايات المتحدة محلها كقوة استعمارية بأساليب متجددة.

أوروبا مقسمة

 خرجت أوروبا مقسمة وضعيفة ومدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، وإعتمدت دول القارة في الجزء الغربي منها على مشاريع إعادة البناء التي دعمتها واشنطن والحماية العسكرية الأمريكية في إطار حلف شمال الأطلسي، فيما خضع شرق القارة للإتحاد السوفيتي سياسيا وإقتصاديا وحصن عسكريا تحت غطاء حلف وارسو. بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي في بداية عقد التسعينات من القرن العشرين بدأت مؤشرات تململ من أجل تبديل التوجهات والتحالفات في القارة التي يصفها الأمريكان بالعجوز، ولكن واشنطن وعدد من حلفائها في أوروبا وخاصة بريطانيا عملوا كل ما في وسعهم لمنع خروج أوروبا من تحت عباءة الهيمنة الأمريكية.

  الأوضاع تغيرت مع مرور الوقت وبدأت مراحل الصراع المستتر بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تطفوا على السطح، حيث عمل البيت الأبيض على ترويض القوى الأوروبية وكان ذلك واضحا خاصة خلال الأزمات المالية التي واجهها الإتحاد وعملته اليورو، ثم مع بروز تشجيع كثيف من البيت الأبيض وعدد كبير من الساسة الأمريكيين لخروج بريطانيا وغيرها من الإتحاد الأوروبي.

زمن قد ولى

 يوم الأحد 28 مايو 2017 قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، إنه يتوجب على الأوروبيين تولي مصيرهم بأنفسهم لمواجهة الانقسامات التي يشهدها التحالف بين دول الغرب، إثر بريكسيت ووصول دونالد ترامب لرئاسة للولايات المتحدة الأمريكية. وأكدت أن “الزمن الذي كانت الثقة فيه سائدة وكان بإمكاننا الاعتماد كليا على بعضنا البعض قد ولى”.

وتابعت “علينا أن نقاتل من أجل مصيرنا” مشيرة إلى أن العلاقات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجب أن تكون وطيدة أكثر. وأضافت ميركل أن “الزمن الذي كانت الثقة فيه سائدة وكان بإمكاننا الاعتماد كليا على بعضنا البعض قد ولى. هذا ما اختبرته في الأيام الأخيرة”. وكانت تشير بذلك إلى العلاقة مع الولايات المتحدة التي اهتزت خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أوروبا.

وألقت ميركل خطابا في عاصمة بافاريا غداة قمة مجموعة السبع وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا في تاورمينا بجزيرة صقلية حيث انهارت وحدة الدول السبع الأكثر ثراء في العالم أمام رفض ترامب الالتزام باتفاق باريس حول ظاهرة الاحتباس الحراري. وكانت ميركل قد اعتبرت المباحثات حول المناخ “غير مرضية إطلاقا”.

وخلال أولى جولاته إلى الخارج منذ تنصيبه، زار ترامب بروكسل حيث وجه ضربة إلى حلفائه في حلف شمال الأطلسي برفضه تأييد نظام دفاعهم الجماعي بشكل صريح. كما وصف أساليب الألمان في التجارة بأنها “سيئة وسيئة جدا” بحسب مجلة “دير شبيغل”.

لهجة تحد

  يوم الثلاثاء 30 مايو 2017 تصاعدت حدة اللهجة بين ترامب وأنغيلا ميركل، بعد أن شن ترامب هجوما لاذعا على ألمانيا ليصل التوتر بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ الحديث.

وكتب ترامب في تغريدة “لدينا عجز تجاري هائل مع ألمانيا، إضافة إلى أنهم يدفعون أقل مما يجب لحلف شمال الأطلسي والجانب العسكري. هذا أمر سيء جدا للولايات المتحدة، وسيتغير”.

وقبل ساعة من ذلك، اعتبرت ميركل التي تنتقي كلماتها عادة بانتباه شديد أنه “من الضرورة القصوى” أن تصبح أوروبا “لاعبا نشطا على الساحة الدولية” وخصوصا بسبب السياسة الأمريكية.

وأكدت المستشارة بالطبع أن العلاقة بين جانبي الأطلسي “ترتدي أهمية كبرى” لكنها أضافت “نظرا للوضع الراهن، هناك دافع إضافي كي نمسك في أوروبا مصيرنا بأيدينا”.

وأضافت المستشارة على هامش استقبالها رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي أنه “على أوروبا أن تصبح لاعبا ناشطا في القضايا الدولية كذلك، ولذلك أهمية قصوى باعتباري”.

وأوضحت أنه من الضروري أن يمتلك الأوروبيون “سياسة خارجية مشتركة” من أجل الضغط “لحل النزاع في ليبيا”، على سبيل المثال.

تابعت ميركل “إننا نفتقر إلى الأداء المطلوب في بعض النقاط، خصوصا ملف سياسة الهجرة”.

وجاءت تصريحات ترامب ردا على وابل الانتقادات التي وجهته له ألمانيا بعد اختتامه أول جولة خارجية رسمية له الأحد والتي شملت السعودية وإسرائيل وبروكسل وإيطاليا التي شارك فيها في قمة مجموعة السبع.

وخلال جولته رفض ترامب ضغوط حلفائه من مجموعة السبع للالتزام باتفاق باريس للمناخ المبرم في 2015، وانتقد 23 من الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي الـ28 ومن بينها ألمانيا، “لتخلفها عن دفع المبالغ المستحقة عليهم” لتمويل الحلف.

إضعاف الغرب

 قبل أيام وفي السعودية وقع ترامب أكبر صفقة بيع أسلحة أمريكية في تاريخ بلاده بلغت قيمتها 110 مليار دولار خلال العقد المقبل وتشتمل على سفن ودبابات وأنظمة مضادة للصواريخ.

والاثنين وجه وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل انتقادات حادة لترامب قائلا إن “أي شخص يعمل على تسريع التغير المناخي من خلال إضعاف حماية البيئة، ويبيع المزيد من الأسلحة في مناطق النزاع ولا يرغب في حل النزاعات الدينية سياسيا، يعرض السلام في أوروبا للخطر”.

وأضاف أن “سياسات الحكومة الأمريكية القصيرة النظر تلحق أضرارا بمصالح الاتحاد الأوروبي” مضيفا أن “الغرب أصبح أصغر وأضعف”.

لكن هذا التوتر بين البلدين ليس جديدا. فمنذ يوم انتخاب ترامب نبهته المستشارة الألمانية إلى ضرورة التزام قيم الديمقراطيات الغربية، بعد حملة انتخابية تخللتها الهفوات ونقاط الجدل.

وقد أطلق ترامب وابلا من الانتقادات لصادرات السيارات الألمانية إلى الولايات المتحدة وقال إن “الألمان سيئون جدا” وذلك خلال اجتماع مع عدد من كبار المسؤولين الأوروبيين في بروكسل، بحسب ما أوردت مجلة دير شبيغل الأسبوعية.

وكان ترامب قد بدأ في انتقاد ألمانيا وميركل في حملته الإنتخابية العام الماضي.

وفي ضوء أجندته الاقتصادية القومية انتقد بشكل خاص فائض التجارة الألماني الكبير مع الولايات المتحدة وهدد بفرض ضرائب جمركية للرد على ذلك.

وبعد اجتماع فاتر مع ميركل في واشنطن في مارس 2017 وصفه في البداية بأنه “عظيم” شن حملة انتقادات في اليوم التالي متهما ألمانيا بأنها “تدين بمبالغ مالية كبيرة” لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

ورغم كل ما سبق لا ترى الخبيرة الألمانية زيلكه تيمبل رئيسة تحرير “مجلة السياسة الدولية” الألمانية أي تغير في السياسة الألمانية. وتقول في تصريحات لدويتشه فيله: “بالعكس، المستشارة أكدت على أن بلادها متمسكة بالعلاقات مع الولايات المتحدة، هي تعلق فقط على الرئيس الحالي الذي تعتبره غير مهتم أو ليس كما هو مطلوب، وهذا يعني أن الألمان أمام وضع جديد محير بالنسبة لطرف كان يمثل دائما عامل أمان”.

وعن ما إذا كان الأوروبيون قادرين بالفعل على “أخذ مصيرهم بيدهم” كما قالت ميركل، تقول تيمبل إنه لا يمكن للأوروبيين القيام بهذا الدور لأنهم لا يتوفرون على السلاح النووي كعامل ردع كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، “وبالتأكيد من الأفضل بالنسبة للأوروبيين البقاء إلى جانب الأمريكيين على ظهر سفينة واحدة، لكن لم تعد هناك ضمانات تؤكد رغبة واشنطن البقاء إلى جانب أوروبا”.

 معارضون لهذا الرأي يشيرون إلى أن المحللة الألمانية نست أن فرنسا قوة نووية وأن في إمكان ألمانيا وبفضل مفاعلاتها النووية وتقدمها في هذا المجال قادرة على التحول إلى قوة نووية خلال أسابيع.

وبرأي الخبيرة الألمانية فان المحور الألماني الفرنسي يمكن أن يلعب دورا استراتيجيا في قيادة أوروبا قوية، لكن ذلك يتوقف على تحقيق شروط، كما تقول زيلكه تيمبل موضحة: “قائدة العالم الحر” هي عبارة لم تطلقها ميركل على نفسها وإنما، صحيفة نيويورك تايمز هي التي أطلقت عليها هذا الوصف. وبخصوص فرنسا، تلاحظ تيمبل أن “ميركل والرئيس ماكرون يسعيان معا وبقوة إلى إعادة إحياء المحور الفرنسي الألماني. وهناك زوايا محددة يجب معالجتها. أولها ملف الأمن، والبحث عن آليات التنسيق فيما يتعلق بالأمن الداخلي والخارجي والتبادل المعلوماتي” إضافة إلى تجاوز الإشكاليات المتصلة بالإصلاحات المالية في الإتحاد الأوروبي والتقدم في تحقيق إستثمارات مشتركة.

أزمة مفتوحة بين اسرائيل والمانيا

  سجل الملاحظون أن توتر علاقات برلين مع واشنطن تزامن مع أزمة غير مسبوقة مع إسرائيل. يوم 26 أبريل 2017 جاء في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية:  بلغت الازمة في العلاقات بين ألمانيا واسرائيل في أعقاب أشهر من التوتر مستويات غير مسبوقة حاليا بعد أكثر من نصف قرن من الروابط الوثيقة خصوصا بسبب مسؤولية ما تعتبره تل أبيب برلين فيما يسمى بالمحرقة اليهودية.

وألغى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعا الثلاثاء 25 أبريل مع وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال بسبب تمسك الاخير بلقاء ممثلي منظمتين اسرائيليتين غير حكوميتين توجهان انتقادات محرجة للحكومة لا سيما بشأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال الوزير الالماني “يؤسفني هذا كثيرا”.

من جهتها، عبرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الاربعاء عن “أسفها” لالغاء نتنياهو اللقاء مع وزير الخارجية الالماني. وقال ستيفن سيبرت الناطق باسمها خلال مؤتمر صحافي في برلين ان “المستشارة تأسف هي ايضا لعدم انعقاد اللقاء”.

وأكد الناطق ان “برامج زيارات المستشارة يشمل أيضا بانتظام لقاءات مع منظمات غير حكومية وممثلين عن المجتمع المدني ويفترض ان يكون ممكنا في بلد ديموقراطي للزوار الاجانب التحدث مع ممثلين عن المجتمع المدني الذين لديهم مواقف منتقدة، بدون ان يسبب ذلك مشاكل”.

ويساهم هذا الخلاف الدبلوماسي في تشويه “العلاقات الخاصة”، وفق تعبير ألمانيا التي تربطها باسرائيل منذ 70 عاما.

وقد تشكل الأزمة نقطة تحول في العلاقة. وكتبت مجلة “دير شبيغل”الاربعاء إن “المعاملة الخاصة لاسرائيل لأسباب تاريخية بلغت حدها مع حكومة نتنياهو”.

واضافت ان “خطأنا التاريخي لا يمكنه أن يدفع ألمانيا الى قبول أن تبتعد الحكومة الإسرائيلية أكثر فأكثر عن القيم التي كانت مشتركة حتى الان”.

ويعبر إلداد باك، مؤلف كتاب “ميركل وإسرائيل واليهود” عن اعتقاده “ان الاتجاه في المانيا منذ عشرين عاما يميل نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتطبيع يعكس عموما دلالة إيجابية، لكنه هنا يعني العكس، اي إنهاء وضع العلاقة الفريدة من نوعها مع إسرائيل”.

ويقول هذا الخبير في العلاقات الألمانية الإسرائيلية، ان الأمر يتعلق بتغيير عميق في المجتمع الألماني، وخصوصا جيل الشباب الذي “يريد إنهاء هذه الشوائب التي تمنعه من أن يكون أمة مثل غيرها”.

وغداة الحرب العالمية الثانية، كانت الدولة اليهودية الشابة قررت مقاطعة ألمانيا الغربية الى حين توقيع “اتفاق التعويض الاقتصادي” العام 1952 ثم اقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين عام 1965.

واقيمت في الذكرى الخمسين لهذه الصداقة عام 2015 احتفالات في برلين وتل ابيب. وكانت مناسبة لألمانيا كي تجدد دعمها الراسخ لدولة اسرائيل التي قالت أنغيلا ميركل عام 2008 ان وجودها “جزء من اسباب وجود الدولة الألمانية”.

وقد ظهرت بوادر التصدع الأولى في يناير 2017 عندما أعربت وزارة الخارجية الألمانية للمرة الاولى عن “شكوكها” في رغبة نتنياهو في تحقيق حل الدولتين بعد تصويت الكنيست على قانون يسمح لإسرائيل بتملك أراض جديدة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

وفي اعقاب ذلك، أعلنت حكومة ميركل في فبراير ألغاء المشاورات السنوية بين الحكومتين عازية الأمر رسميا الى مشاكل في التوقيت.

وقال فولكر بيك، وهو رئيس لجنة برلمانية ألمانية حول العلاقات مع إسرائيل، لوكالة فرانس برس انه لأسباب دبلوماسية، “تم تقديم تأجيل مشاورات الحكومة باعتباره مشكلة فنية، هناك رغبة في عدم السماح بتصعيد المسالة”.

من جهته، قال خبير الشؤون الالمانية موشي زيمرمان من الجامعة العبرية في القدس ان “ميركل حاولت أن تكون مهذبة، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تلتقط الاشارة”.

تأثير ترامب

  وثمة تقديرات في برلين بأن تشهد العلاقات مزيدا من التدهور في ظل رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة.

فقد اتسم موقفه بالغموض فيما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية التي تعد من الأهداف المحورية للسياسة الألمانية في الشرق الأوسط، ولم يوجه سوى أدنى قدر ممكن من الانتقادات للمستوطنات الإسرائيلية.

ويسلم مسؤولون إسرائيليون بصفة غير رسمية بأن العلاقات انحدرت إلى مستوى متدن رغم أنهم يقولون إن الصلات بين الطرفين مازالت قوية.

وتأكد مدى توتر العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل في شباط فبراير عندما ألغت ميركل اجتماع قمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان من المقرر أن ينعقد في القدس خلال شهر مايو  2017. وكان التفسير الرسمي لهذه الخطوة هو أن برلين منشغلة للغاية برئاستها لمجموعة العشرين.

غير أن مسؤولين ألمانا قالوا بصفة غير رسمية إن السبب الرئيسي هو الاستياء مما تم الكشف عنه في الأسابيع التي أعقبت تولي ترامب منصبه من خطط نتنياهو لزيادة وتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وإضفاء الصبغة القانونية على آلاف الوحدات السكنية المبنية على الأراضي الفلسطينية.

واعترف مسؤول ألماني كبير بتردي العلاقات مع الحكومة اليمينية في إسرائيل وقال “نتنياهو لا ينصت إلينا والوضع قد يزداد سوءا في وجود ترامب”.

وفي إسرائيل وصف مسؤول إلغاء لقاء القمة بأنه علامة على “استياء عميق” من نتنياهو لكنه أضاف أن ترامب هو السبب الرئيسي في استياء برلين.

وذكر المسؤول “ألمانيا غاضبة حقا من ترامب لكن لا يمكنهم التعبير عن ذلك أو انتقاده مباشرة لأنه قوي جدا”.

وقالت كرستين مولر التي تدير مكتب تل أبيب لمؤسسة هاينريتش بويل وهي مركز أبحاث ألماني له ميول يسارية إن التطورات الأخيرة ربما ترغم برلين على إعادة فحص علاقاتها مع إسرائيل، العلاقة الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل ليست محفورة في الصخر. بل إنها تبدو الآن في خطر”.

وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة برتلزمان عن العلاقة بين الطرفين عام 2015 أن 77 في المئة من الألمان يعتقدون أن الوقت قد حان للانفصال عن الماضي. وأبدى 66 في المئة منهم الغضب لأن الألمان مازالوا يتحملون اللوم عما ارتكب بحق اليهود من جرائم. وارتفعت تلك النسبة إلى 79 في المئة للمشتركين في المسح فيما بين سن 18 و29 عاما.

العلاقات الاقتصادية قوية. فقد بلغ حجم التبادل التجاري للسلع والخدمات بين الطرفين 5.5 مليار دولار عام 2016 وهو ضئيل مقارنة بالتبادل التجاري بين إسرائيل والولايات المتحدة البالغ 25.5 مليار دولار.

لحظة حرجة

 صرح دبلوماسي ألماني نهاية ربيع سنة 2017: إن إقناع الرأي العام الألماني بالعلاقة الوثيقة مع إسرائيل يزداد صعوبة. وأضاف “تحقيق التوازن السليم مع إسرائيل يزداد صعوبة. فأنت تتعرض للانتقاد في وسائل الإعلام إذا لم تنتقد إسرائيل. وإذا انتقدتها فعلا فإنك تستعدي شريكا أساسيا”.

وذكر إن ميركل ليس لديها ما تكسبه من عقد لقاء صعب مع نتنياهو في عام ستجرى فيه انتخابات في ألمانيا.

والتوتر السياسي بين الجانبين ليس بالظاهرة الجديدة. ففي عام 2011 تردد أن ألمانيا هددت بوقف تسليم غواصات من طراز دولفين ردا على خطط الاستيطان الإسرائيلية. وبعد عام أثار غابرييل الذي كان رئيسا لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين المعارض آنذاك عاصفة بتشبيه معاملة إسرائيل للفلسطينيين في الضفة الغربية “بالفصل العنصري”.

وقبل سنوات بدأ كبار الوزراء في الحكومة الألمانية يقللون زياراتهم لإسرائيل. ومنذ خطابها في الكنسيت عام 2008 لم تزرها ميركل سوى مرتين كانت آخرهما في أوائل عام 2014.

غير أن مسؤولين ومحللين ألمان يقولون إن الهوة السياسية الحالية أعمق فيما يبدو مما كانت في أي وقت فيما تعيه الذاكرة.

وقال مولر من مؤسسة هاينريتش بويل “إسرائيل كانت تعرف المدى الذي يمكن أن تصل إليه مع الحكومات السابقة. أما في وجود ترامب فقد تشجعت العناصر الأكثر تشددا في إسرائيل”.

وأضاف “نحن الآن في لحظة حرجة للغاية. والكيفية التي ستتفاعل بها ألمانيا مع هذا الواقع الجديد مهمة. فالعلاقة قد تتغير بسرعة كبيرة”.

المانيا تستعرض عضلاتها

بداية شهر يونيو 2017 كتب المحلل الصهيوني الداد باك في صحيفة اسرائيل اليوم:

 المناوشات الكلامية بين برلين وواشنطن ليست أمرا عابرا، والازمة التي تتطور قد تمنح المانيا فرصة تحقيق حلم قديم وهو الانفصال أخيرا عن الامريكيين والتحول الى قيادة الاتحاد الاوروبي وقوة عظمى في الوسط بين الغرب والشرق، دون اعتمادها على واشنطن أو موسكو، بل لديها خط خاص بها.

يجب التمييز بين اقوال المستشارة انغيلا ميركل التي قالت إن اوروبا لم تعد تحتمل الاعتماد على الآخرين أي على الولايات المتحدة مثلما في السابق، وأنه يجب أخذ مصيرها في أيديها، وبين التصريحات المبالغ فيها لوزير خارجية المانيا زغمار غبرئيل، التي جاء فيها أنه على ضوء سلوك دونالد ترامب “تحول الغرب الى اصغر”. في الوقت الذي تقوم فيه ميركل بتقليص طموح قيادة المانيا لاوروبا، فان غبرئيل الذي عبر أمام الجميع في زيارته الاخيرة لاسرائيل عن رغبة المانيا في أن تصبح “بوصلة الاخلاق للعالم الديمقراطي”، يقوم بتوسيع حدود قيادة المانيا للغرب. ومن الآن ليست الولايات المتحدة هي التي تقوم العالم الحر، بل المانيا.

الى أي حد تتعلق المانيا بالغرب. استعراض تاريخ سريع لـ 200 سنة الاخيرة سيبين أن الصلة بين المانيا والغرب والافكار التي يمثلها الغرب، الديمقراطية البرلمانية، الليبرالية، الرأسمالية، ليست قوية بشكل خاص. ايضا المانيا الموحدة منذ 27 سنة تعتبر مثالا على الغربية الناجحة والمتطورة. على مدى التاريخ وضعت المانيا نفسها، في مراحل تطور القومية المختلفة،كخصم لافكار الغرب ومبادئه. ورفضت المانيا “الغربية” حسب النموذج الفرنسي أو البريطاني الذي لا يناسب طابعها ومكانتها الجيواستراتيجية في قلب القارة الاوروبية. منذ عهد بسمارك “مستشار الحديد” الذي وحد المانيا في نهاية القرن التاسع عشر، وضعت المانيا لنفسها سياسة “اللاغربية”، التي تجد تعبيرها بشكل واضح في الحربين العالميتين. وقد اعتبرت المانيا في حينه نفسها وتعتبر نفسها الآن قوة عظمى تقود اوروبا دون أي اعتماد على بريطانيا أو الولايات المتحدة.

في نهاية الحرب العالمية الثانية وجدت المانيا الغربية نفسها ملتزمة بالتحالف مع القوى العظمى من الغرب وليس انطلاقا من رغبة ذاتية. العلاقة القريبة مع الولايات المتحدة سمحت لها باعادة بناء نفسها من الدمار واعمار قوتها الاقتصادية والتوحد من جديد فيما بعد. لكن غالبية الشعب الالماني لم يشعر بأنه يرتبط بالولايات المتحدة، لو عرفان بالجميل على انقاذ المانيا من نفسها. المظاهرات الاكبر التي حدثت في المانيا كانت ضد الولايات المتحدة. وفي الايام التي كان فيها التواجد العسكري الامريكي في المانيا الغربية يسعى الى منع الاتحاد السوفييتي من تحقيق برامج احتلال اخرى. العداء لامريكا لم يكن مجرد ظاهرة شرق المانية شيوعية، بل كان منتشرا في غربها ايضا، في اوساط اليسار واليمين. ومع توحيد المانيا من جديد اصبح هذا شعور الماني عام. هذه الطريقة تسير الى جانب اللاسامية وعداء اسرائيل. وليس صدفة أن المان كثيرين يعتبرون أن الولايات المتحدة هي نتيجة اقوال وافعال اليهود. الغرب بشكل عام، بأفكاره، يعتبر في الرأي العام الالماني عمل يهودي. من هنا يمكن فهم الرفض الغريزي للغرب.

وها نحن أمام تناقض: المانيا التي لا تؤمن بالغرب فعليا، تقدم نفسها على أنها تتحدث باسم الغرب وتقوده. هل يمكن التعامل مع هذا بجدية؟ بشكل لا يقل عن الادعاء بأن الاتحاد الاوروبي يدافع عن الديمقراطية في العالم، لم يُطلب من شعوب اوروبا التعبير عن مواقفهم حول سؤال فتح الحدود أمام الاجانب واللاجئين.

من المؤسف أنه في ظل قيادة ميركل، التي هي الاكثر قربا من امريكا والاكثر ليبرالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تنشأ ازمة خطيرة الى هذا الحد مع الولايات المتحدة. على ضوء التحديات الكبيرة التي تواجه الغرب، وعلى رأسها محاربة التطرف، فان التعاون بين برلين وبروكسل وموسكو وواشنطن هو الأمر المطلوب. ويتحمل ترامب جزء من المسؤولية عن الازمة الحالية، لكن مثلما أن ادارته تريد تحقيق المصالح الأمريكية، فان ميركل لا يمكنها تجاهل الظروف التي تمنحها وتمنح المانيا القدرة على تحقيق المصالح الألمانية وتحقيق الحلم القديم: التحول الى قوة عظمى دولية في الوسط.

شراكة أوروبية عربية

 في حوار مع لدويتشه فيله نهاية شهر مايو 2017 يرسم الخبير السياسي والإقتصادي ورئيس تحرير سابق لصحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية “النسخة العربية” الدكتور سمير العيطة، سيناريوهات متعددة لمستقبل العلاقات بين أوروبا وأمريكا وتداعياتها في منطقة الشرق الأوسط، في حال ترجمت ألمانيا تصريحات قادتها الأخيرة إلى توجهات جديدة في سياستها الخارجية.

يقول الدكتور العطية: بعد قمتي الناتو في بروكسيل ومجموعة الدول الصناعية السبع في إيطاليا، والتي شهدتا توترا بين الرئيس الأمريكي وحلفائه الأوروبيين، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الاثنين 29 مايو 2017 إن على الأوروبيين الأخذ بمصيرهم بأيديهم في إشارة لصعوبة الاعتماد على الحليف الأمريكي.

وقبل ذلك بيوم، قال مارتن شولتس، منافس ميركل، على منصب المستشارية في انتخابات سبتمبر 2017، في مقابلة مع القناة الأولى بالتلفزيون الألماني “ايه.آر.دي”، إنه “لا ينبغي علينا أن نخضع لمنطق ترامب الخاص بالتسلح”. وطالب شولتس بموقف أوروبي أكثر حسما حيال ترامب، وقال “أعتقد أنه كان يتعين خلال قمة حلف شمال الأطلسي وبكل تأكيد خلال قمة السبع، اتخاذ موقف بالغ الوضوح ضد رئيس للولايات المتحدة يريد إخضاع الآخرين ويظهر بأسلوب حاكم مستبد”.

وانضم وزير الخارجية زيغمار غابرييل لمنتقدي سياسة ترامب وقال في تصريحات لصحيفة “راينيشه بوست” الألمانية “من لا يقف في وجه هذه السياسة الأمريكية سيكون مشاركا في المسؤولية… من يسرع وتيرة تحول المناخ عبر تقويض حماية البيئة ويبيع المزيد من الأسلحة في مناطق الأزمات ومن لا يريد حل نزاعات دينية سياسيا فإنه يعرض السلام في أوروبا للخطر”. وأضاف غابرييل أن السياسة قصيرة النظرة للإدارة الأمريكية تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي.

ويضيف سمير العيطة: تكشف هذا التصريحات عن ارتفاع في اللهجة الألمانية. كما تعكس توافق سياسي ألماني بين مختلف الأقطاب السياسية المتصارعة على الانتخابات القادمة على أن ألمانيا وأوروبا في خطر. هذا أمر غير مسبوق وله دلالات تعكس قلق ألمانيا من شخصية ترامب ومعاداته لألمانيا ولسياسات ميركل.

لفت نظري في تصريحات مارتن شولتس كلامه عن “خلخلة التوازن في المنطقة ومنطق ترامب في التسليح”. وهذا يأخذنا إلى ما فعلته قطر اليوم بكسر تحالفاتها. هذه التحالفات، والتي يمكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على صعيد كل المنطقة، ليس العربية فحسب، بل وأفغانستان وباكستان ايضا.

فيما يخص الحرب على أرض الشام من الواضح أن ميركل وماكرون يريدان التوصل لتوافق مع روسيا ويغازلان نوعا ما الصين. بما أن الأمريكيين لا يرغبون بمنح الأوروبيين دورا في سوريا، سيبحث الأوروبيون عن دور لهم عبر الروس.

حتما ستأتي دول إقليمية كتركيا وإيران وقطر ومصر لتستفيد من هذا الوضع. طبعا في حال كانت هذه الدول تملك حيزا للحركة. ولكن كل هذه الدول محشورة بين القوة الضاربة للولايات المتحدة وقدرتها على الإخلال بالأنظمة في المنطقة من جهة وبين الدور الضعيف للاتحاد الأوروبي، الذي لا يعرف منذ بداية 2011 أين يذهب.

أطلقت الصين مبادرة “الحزام والطريق”، التي تستهدف دول المنطقة وأوروبا. في خضم التنافس مع الصين، وبعيدا عن الولايات المتحدة ستجد أوروبا مكانا لها لتكون بين الأقطاب الأربعة الكبرى: الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وسيكون هذا في صالح روسيا والصين على حساب الولايات المتحدة.

ما يؤجج الصراعات هي المبادرة الغريبة العجيبة التي تقول بحلف سني إسرائيلي أمريكي، مدى صدق هذا الحلف وقلبه للمعادلات التي نعرفها هي المخاطرة الكبرى. الأوروبيون يريدون خلق موقف مختلف عن هذا الحلف.

نلاحظ فيما يتعلق بالملف السوري، أن الروس يحصرون الموقفين التركي والإيراني بحديهما الأدنى. وأمام الأوروبيين أحد خيارين، إما الانخراط  في التحالف السني الإسرائيلي الأمريكي أو الانخراط في المشروع الروسي، الذي يقول بتحجيم القوتين الصاعدتين، تركيا وإيران، لكي لا تتفجر المنطقة أكثر من حالها اليوم.

 تملك أوروبا أوراقا وإمكانيات تخولها خط اتجاه سياسي خارجي خاص بها والتغريد بعيدا عن الولايات المتحدة.

تملك أوروبا، والألمان والفرنسيون خاصة، اقتصادات قوية مصدرة، دون اللجوء للتصنيع الرخيص والبخس. كما يتمتع الأوروبيون بعلاقات مع كل الأقطاب الصاعدة من الهند للصين للبرازيل لأمريكا اللاتينية. إذا تخلصت أوروبا من الفكرة القديمة، والتي تقول أن أوروبا تستطيع التحرك فقط عندما تكون أمريكا بظهرها، عندها ستتمكن من خط سياسة إرادية.

لا ننسى أن ألمانيا تتمتع أيضا بحضور قوي فاعل بما نطلق عليه بـ”القوة الناعمة” والدبلوماسية الذكية، المضبوطة بشكل أكبر من نظيرتها الأمريكية وخصوصا اليوم في عهد ترامب. انظر كيف تعامل الألمان مع الملف السوري، حافظوا على علاقات مع بعض القريبين من السلطة مثل عبد الله الدردري “نائب رئيس وزراء أسبق للشؤون الاقتصادية”، وفي نفس الوقت دعموا المعارضة ومولوا اجتماعات جنيف لدفع المعارضة لتأخذ موقفا موحدا.

 

 

 



 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

. ... السيدة العربية

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

الاكثر قراءة

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

اخر المواضيع - شبكة الدانة نيوز الرئيسية

صفحتنا على فيسبوك

سلايدر الصور الرئيسي

?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا

حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة نيوسيرفيس سنتر للاعلام والعلاقات العامة . يتم التشغيل بواسطة Blogger.