![]() |
د عيد بن مسعود الجهني |
أما في زماننا هذا فقد ماتت بعض الضمائر، وضعف الخوف من الله، وساد حب النفس والأنانية فشاعت الرشوة وانتشرت المحسوبية وعم الفساد واستغل كثير من أصحاب النفوذ نفوذهم لا يفرقون بين حلال وحرام يأكلون أموال الناس بالباطل، وينهبون المال العام والخاص دون أن ترتجف لهم يد، وبهذا المال الحرام أصبحوا من أصحاب السلطة والسطوة والكلمة.
ولنا أن نسأل إذا كان هؤلاء المفسدون قد ماتت ضمائرهم وتضخمت ذواتهم وأعمتهم الأنانية، فأخذوا ينهبون ويسرقون، ويفسدون في الأرض، دون وازع من ضمير، أو مانع من دين أو خلق، فأين سلطة القوانين والأنظمة واللوائح والقرارات الناجزة، وسيف العدل القاطع، ويد السلطة المانعة، لتمنع هؤلاء عن الفساد، وتردعهم عن أعمالهم الخبيثة وممارساتهم الدنيئة، وتجاوزاتهم المضرة بالناس والبلاد.
إن القوانين والأنظمة في الدول العربية تسن وتظهر بمواد قوية واضحة غير قابلة للتفسير أو التكييف، ولكن يضعفها ويحد من أثرها أنه إذا سرق فينا الضعيف قطعت يده وإذا سرق الشريف تركناه، وذلك نفسه فساد وجرم كبير، فإذا أردنا القضاء على الفساد يجب أن تطبق القوانين والأنظمة على الغني قبل الفقير وعلى المدير قبل الحارس، وعلى الرئيس مثلما تطبق على المرؤوس.
إننا لو أردنا أن نحلل (الفساد) إلى عناصره الأولية كما يفعل الرياضيون، فإننا نستطيع أن نجعل كل صفة خبيثة دنيئة سافلة من مكوناته، فالرشوة، والاختلاس، والأنانية، والظلم والقهر، والاعتداء، والتعدي، وأكل المال الحرام، والحسد، والحقد، والسرقة، والجور، واستغلال النفوذ، كلها من مكونات الفساد ومن صفات المفسدين.
إن الفساد قد انتشر وعم في عالمنا العربي، حتى جرى في الطرقات كمياه المواخير، وطفح وارتفع حتى غطى مباني كانت عالية وصروحًا كانت سامية وفاحت رائحته - ولا نقول حتى أزكمت الأنوف، بل نقول حتى اعتادتها الأنوف فما عادت تشمئز منها كثير من النفوس أو تعافها.
وهذا مشاهد لا ينكره حتى الأصم أو الأعمى في القطاعين العام والخاص، ففي بعض أجهزة القطاع العام لا يمكنك الحصول على منفعة هي حق مكتسب لك حتى تخرج ما في جيوبك، وامتد الأثر إلى الشركات الكبرى التي للدول حصص كبيرة فيها، حتى أصبح اصطلاح (هدية) أو (إكرامية) كأنهما أمر مقدور ومقبول عند الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق