أمريكا والصين تكتبان الفصل الأول فى العصر التجارى الجديد

. . ليست هناك تعليقات:



بقلم: توماس فريدمان
كاتب مقالات رأى فى صحيفة «نيويورك تايمز»

ربما اعتقدت بعد وصول كبار المفاوضين التجاريين الأمريكيين إلى بكين، أن الولايات المتحدة والصين، على وشك الدخول فى مفاوضات عالية المستوى لتجنب حرب تجارية، وأن ما سيدور بينهم سيصلح قصة فى صفحات الجرائد المعنية بالاقتصاد.
ولكن فكر مجدداً، ستجد أن ما سيحدث قصة تكتب فى صفحات التاريخ، وبعد 5 أيام من الاجتماعات فى بكين بين المسئولين الحكوميين وقادة الأعمال الصينيين والأمريكيين والأوروبيين، أصبح من الواضح بالنسبة لى أن ما يحدث حالياً لا يقل عن كونه معركة لإعادة تعريف القواعد التى تحكم العلاقات الاقتصادية وتنظم نفوذ القوى العظمى الأقدم والأحدث فى العالم وهما أمريكا والصين، وليس مجرد شجار تجاري.
وكما قال أحد الخبراء الصينيين فى مناقشة أجرتها جامعة تسينجهوا وحضرتها: “لم يعد بإمكان أحد احتواء الصين”.
ومثل هذه الثقة فى بكين تسمعها كثيراً اليوم من الصينيين، ويقولون إن نظام الحزب الواحد والمجتمع الموحد يستطيع تحمل ألم الحرب التجارية أطول بكثير مما يستطيع الأمريكيين.
كما يقولون، إن الاختلالات التجارية القائمة اليوم بسبب أن الصينيين يستثمرون فى مستقبلهم، فى حين يأكل الامريكيون مستقبلهم.
وفيما يلى ساستعرض كيف وصلنا إلى هنا فى 3 فصول.
فى الفصل الأول، كانت علاقات الولايات المتحدة والصين جيوسياسية جميعها، وكانت أمريكا والصين ضد الاتحاد السوفيتى، وهذا دام حتى أواخر السبعينيات.
وعندما بدأ الفصل الثانى، تحولت الصين نحو الرأسمالية وأصبحت بمثابة مصنعاً وسوقاً جديدين، وخلال 30 عاماً تحولت إلى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم.
ويرجع هذا بقدر كبير، إلى أخلاقيات العمل لدى الشعب الصيني، والتفكير بعيد المدى للقادة الصينيين، والاستثمارات الحكومية الضخمة فى البنية التحتية والتعليم، كما يعود جزئياً إلى استعداد الصين وقدرتها على الالتفاف حول قواعد منظمة التجارة العالمية أو تجاهلها أو غشها بشكل صريح فى بعض الأوقات.
وفى بعض الأحيان، استخدمت الصين التجسس الصناعى لسرقة الابتكارات من الغرب، وكانت التحركات الأخرى أكثر دهاء، فعندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية فى 2001، تم ضمها كـ”دولة نامية” تخضع لتعريقات منخفضة جدا على صادراتها لدولتنا ولكن سُمح لها بفرض تعريفات عالية لحماية قطاعاتها الناشئة من المنافسة الأمريكية والأوروبية.
وكان يفترض أنه عندما تنمو الصين، وتنتقل منظمة التجارة إلى نظام جديد، سيتم تخفيض تعريفاتها مثل الضريبة البالغة 25% على واردات السيارات مقارنة بـ 2.5% المفروضة من قبل الولايات المتحدة، ولكن لم تنه منظمة التجارة دورتها التجارية، ورفضت الصين تخفيض تعريفاتها طوعاً.
وعلاوة على ذلك، وضعت الصين سياسة صناعية تخرق فى الكثير من الأحيان قواعد منظمة التجارة العالمية، وأعطت للشركات أراضٍ رخيصة، وقدمت البنوك الحكومية قروضا منخفضة الفائدة للشركات الصناعية الجديدة، فى حين تم إجبار الشركات الأجنبية التى أرادت دخول السوق على الدفع، وعلى أن يكون لديها شركاء صينيين، وأن تكون مستعدة لنقل تكنولوجياتها المتطورة إليهم.
ونتيجة لذلك، ومع الوقت، تمكنت بكين من إجبار الشركات متعدة الجنسيات على تحويل مزيد من سلاسل التوريد إلى الصين، كما تمكنت من إنشاء منافسين صينيين للشركات الغربية فى سوقها المحمى، ثم بمجرد أن أصبحوا كباراً بما يكفى أطلقتهم على العالم كعمالقة.
ووجهت الحكومة الصينية، الشركات وصناديق الاستثمار الحكومية للاتجاه للخارج وشراء الصناعات الاستراتيجية، وجلبها إلى الموطن مثل اكبر وأفضل شركة روبوتات فى ألمانيا، “كوكا”.
وتحملت الشركات الأمريكية والأوروبية كل ذلك، لأنها كانت لاتزال تجنى أموالاً فى الصين، أو كانت خائفة من أن يتم طردها من سوق كبير ومتنامى، لكن هذا استمر حتى أعوام قليلة ماضية.
وبدأ الفصل الثالث فى اكتوبر من عام 2015، عندما أعلنت الصين عن رؤيتها طويلة الأجل، “صنع فى الصين 2025″، وهى خطة للسيطرة على أكبر 10 قطاعات فى الجيل المقبل، بما فى ذلك الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة والمركبات الكهربائية والذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية والفضاء.
وعندما شهدت أمريكا وأوروبا ذلك قالوا: «يا للعجب، نحن كنا مستعدين لغض طرفنا عندما كان خليط العمل الجاد والغش والسياسة الصناعية مركزاً على الصناعات منخفضة التكنولوجيا، ولكن إذا كانت هذه الاستراتيجيات ستسيطر على القطاعات مرتفعة التكنولوجيا، فسنحتاج قواعد جديدة”.
وسمعت هذا الأمر من مسئولين أوروبيين بقدر ما سمعته من الأمريكيين، ولذلك تضع الكثير من الدول الأوروبية حالياً قوانين جديدة لمنع الصين من شراء أكثر القطاعات تقدما لديهم، ولهذا السبب أيضاً تقول الصين للدول الأوروبية، حسبما قال أحد المسئولين الأوروبيين: «أياً كان ما ستفعلون، لا تنضموا للولايات المتحدة فى معسكرها التجارى»، نظراً لأن آخر ما تحتاجه بكين هو جبهة موحدة أمريكية أوروبية تطالبها بأن تلعب بنزاهة.
والاقتصاد ليس مثل الحرب، فالجميع يمكنه أن يكسب بشرط واحد أن يلعبوا وفق نفس القواعد وهى العمل الجاد والابتكار، وليس العمل الجاد وسرقة الملكية الفكرية، والتدخلات الحكومية الواسعة، وتجاهل قواعد التجارة العالمية، ونقص تبادل المعلومات، وأجبار الشركات الغربية على الدفع مقابل اللعب داخل الصين.
ويتعلق الأمر فى هذه اللحظة بكل ما سبق، ولهذا يستحق هذا القتال الخوض فيه، فلا تدع حقيقة أن ترامب يقود هذا القتال تلهيك عن الأهمية القصوى لاتفاق أمريكا وأوروبا والصين على نفس القواعد فيما يخص عام 2025 قبل ان يفوت الأوان بالفعل، ومما لا شك فيه أن الرئيسين الأمريكى والصينى، يقتربان من هذه اللحظة باستراتيجيات عالية الخطورة بقدر كبير.
وفى الوقت الذى نقترب فيه من مفترق طرق تاريخى سيحدد علاقات الغرب الاقتصادية مع الصين – ومن الواضح أنها الأولوية الأولى- يخاطر ترامب أيضاً بحرب تجارية مع نفس الحلفاء اللازمين لتوجيه الصين للتحرك فى الاتجاه الصحيح – وهم اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا وكندا- من خلال تهديدهم بتعرفات على الصلب والألومنيوم إذا لم يمتثلوا لمطالبه.
ويبدو أن ترامب يعتقد أنه يستطيع إعادة تشكيل كيفية دخول الصين على العصر التجارى الجديد بدون حلفاء، وبمجرد القوة الغاشمة لأمريكا، فحظاً سعيداً له فى ذلك.
وباختصار، فإنه بوجود عدد كبير من الحلفاء فى أوروبا ومنطقة آسيا المطلة على المحيط الهادى، قد نستطيع دفع الصين فى الاتجاه الصحيح، ولكن ترامب يهمشهم جميعاً، فيالها من حماقة!
كما أن ترامب ليس لديه شيئ ليقوله بشأن الاستثمار فى المصادر الحقيقية للقوة الأمريكية على المدى الطويل وهما البنية التحتية والتعليم.
أيضاً، فإن رهان رئيس الوزراء الصينى، شى جين بينج، ليس مضموناً كذلك، وبالتأكيد، الصين دولة أكثر انفتاحاً اليوم، مما كانت عليه منذ 25 عاماً، ولكنها أيضا أقل انفتاحاً بكثير اليوم عما كانت عليه منذ 5 سنوات.
ويجادل حلفاء شي، بأن حملته على الفساد، ومطالبته بتقليص عدد سنوات الحكم، وتشديده لسيطرة الحزب الشيوعى على كل مؤسسة كانوا ضروريين لأن الحكم الجماعى لم يفلح.
وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن خلق نظام يتسم بحكم رجل واحد، والسيطرة على الانترنت وحرية الصحافة والجامعات أكثر من أى وقت، وإعادة تعليم الأفكار المركسية، لا يمكن ان يكون أفضل طريقة لتحفيز وجذب ألمع العقول وأكثرها ابتكارًا، والتى تحتاجها الصين لنمو اقتصاد الشركات الناشئة وتحقيق رؤية «صنع فى الصين 2025»، ولكن هل سيرغب أفضل وألمع العقول فى العمل فى مثل هذا النظام؟ لا أعرف.
وحتى الآن، نجحت الاستبدادية الصينية فى إنتاج عدد هائل من براءات الاختراع والشركات الناشئة، لذا، ربما يستطيع “شى” تعزيز ذلك، ولكنه رهاناً كبيراً.
وكما قلت سابقاً، فإن ما يحدث حالياً ليس مجرد قصة تنشر على الصفحات الأولى من الجرائد، ولكن ما يكتب هو الصفحة الأولى من فصل جديد كلياً فى تاريخ العلاقات الأمريكية الصينية، وكيف سيتم كتابته وكيف سينتهى سوف يشكلان إرث ترامب وشي، وسيمس كل اقتصاد كبير فى العالم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز


المصدر: صحيفة “نيويورك تايمز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

. ... السيدة العربية

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

الاكثر قراءة

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

اخر المواضيع - شبكة الدانة نيوز الرئيسية

صفحتنا على فيسبوك

سلايدر الصور الرئيسي

?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا

حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة نيوسيرفيس سنتر للاعلام والعلاقات العامة . يتم التشغيل بواسطة Blogger.