الخليجيون يقتنصون تراجع تكلفة التمويل لأدوات الدين بأضخم إصدارات خلال الربع الثاني

استغلت جهات الإصدار السعودية والخليجية الفرصة التاريخية التي توفرت لها من انخفاض المراجع التسعيرية لأدوات الدين الدولارية ما بين 48.4 إلى 83 في المائة، لجعل الربع الثاني من العام الجاري أنشط ربع من حيث إجمالي أحجام الإصدارات على مدار تاريخ أسواق الدخل الثابت الخليجية، ليتكلل بإجمالي إصدارات بلغ 45 مليار دولار، بحسب ما أظهرته بيانات مالية.
وبذلك تضمن جهات الإصدار الخليجية دفع فوائد متدنية على امتداد آجال استحقاق أدوات الدخل الثابت تلك في ظل بيئة الفائدة المتدنية.
ومن شأن المسار المتدني للمراجع التسعيرية أن يخفض من تكلفة التمويل وذلك على افتراض أن هوامش الائتمان spreads لجهات الإصدار تبقى ضمن مستوياتها الطبيعية.
وأظهر تحليل وحدة التقارير في صحيفة «الاقتصادية»، حدوث تغير ملحوظ في أسعار أهم مؤشرين قياسيين يتم الاستعانة بهما من قبل المصدرين الخليجيين.
وفي الوقت الذي تستعين الشركات بمؤشر "متوسط عقود المبادلة"mid-swap مع الإصدارات الدولارية، تقوم بعض جهات الإصدار السيادية باللجوء إلى مؤشر "عوائد سندات الخزانة" الأمريكية.
وسجل مؤشر "عوائد سندات الخزانة" الأمريكية تراجعات بمقدار 48.4 في المائة على السندات الثلاثينية (العائد يقف عند 1.20 في المائة) وتراجعات بمقدار 70.7 في المائة على السندات العشرية (العائد عند 0.55 في المائة) في نهاية تموز (يوليو) وذلك مقارنة بمستوياتها إبان بداية العام الحالي.
والأمر نفسه انطبق على الآجال المتوسطة الخاصة بمؤشرات "متوسط عقود المبادلة" الذي سجل تراجعات بمقدار 83 في المائة على الآجال الخمسية (العائد يقف عند 0.29 في المائة) وتراجعات بمقدار 77 في المائة على الآجال السبعية (العائد عند 0.41 في المائة) في نهاية تموز (يوليو)، وذلك مقارنة بمستوياتها إبان بداية العام الحالي.
من ناحية أخرى، بلغت قيمة أدوات الدين الخليجية التي تم إصدارها خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 66 مليار دولار، وذلك بحسب دراسة بحثية لبنك أبوظبي الأول، وارتكزت البيانات على ما تم إصداره من أدوات دين بالعملات الصعبة.
ومعلوم أن معظم القروض الدولارية بشكل عام تستعين بالمرجع التسعيري "الليبور"، وهذا المؤشر كسر خلال الفترة القليلة الماضية حاجز الـ0.50 في المائة.
وهوت أهم مؤشرات الفائدة العالمية التي تستخدم في أسواق النقد ومعظم العقود المصرفية الدولارية، إلى مستويات قياسية في ظرف سبعة أشهر من بداية العام وذلك بمقدار 87.3 في المائة.
وأظهر رصد «الاقتصادية» أن "الليبور" (سعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن) الخاص بآجال ثلاثة أشهر سجل أدنى مستوياته منذ خمسة أعوام وسبعة أشهر، حيث ابتدأ "الليبور" هذا العام عند 1.90 في المائة وأغلق بنهاية تموز (يوليو) عند 0.24 في المائة (أي بانخفاض بمقدار 87.3 في المائة عن الفترة نفسها وهذا ما يترجم إلى 166 نقطة أساس)، علما بأن آخر مرة تداول "الليبور" عند المستويات الحالية كانت في أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2014.

القرض الأخضر
وقالت عدة مصادر، إن القرض الحديث للسعودية بقيمة 258 مليون دولار جاء أقل من التكلفة التقليدية المعتادة مع القروض الدولارية التي اعتادت المملكة على دفعها في السابق، في خطوة إيجابية لمصلحة الخزينة العامة.
ومعلوم أن القرض الأخضر للسعودية تم هيكلته بطريقة متقدمة بحيث يحظى بخاصية كونه مدعوما من وكالة ائتمان الصادرات الرسمية في ألمانيا التي تقدم هذه الخدمة المالية للجهات الدولية الراغبة في الحصول على المنتجات الألمانية الصنع.
ويحظى الطرف الألماني بأعلى درجة تصنيف ائتمانية وهي AAA، حيث كلما ارتفعت درجة التصنيف الائتماني انخفضت تكلفة الاستدانة، ويبعد تصنيف الطرف الألماني عن تصنيف السعودية الائتماني أربع درجات ائتمانية.
ومعلوم أن المملكة حاصلة على تصنيف A1، وهذا التصنيف يعد خامس أعلى تصنيف من بين درجات التصنيف التي يصل تعدادها إلى 24 درجة.
وأرجع المصدر الأول القريب من تفاصيل الصفقة في رده على تساؤل "الصحيفة" تكلفة التمويل للقرض الحديث أدنى من التكاليف المعتادة مع القروض الدولارية التقليدية، إلى تصنيف وكالة الصادرات الألمانية الذي يقف عند AAA، بيد أنه تعذر عن كشف التفاصيل الدقيقة عن التسعير بسبب سرية الاتفاقية التي تكتنف مستندات القرض.
إلى ذلك، رجح عاملون في سوق القروض المصرفية وأدوات الدخل الثابت بعيدون عن الصفقة، لكنهم على دراية واسعة بآلية عمل عمليات تمويل الدين المدعوم من وكالات ائتمان الصادرات، أن السعودية تمكنت بدرجة كبيرة من الحصول على أدنى تكلفة تمويل تاريخية لها من قرض دولاري أو أدوات دين دولارية، وذلك بفضل آلية الهيكلة المتطورة للقرض، فضلا عن الهبوط المستمر والقياسي لـ"مؤشر تكلفة الاقتراض الدولاري" المعروف بـ"الليبور".
وذكرت وزارة المالية في بيان سابق لها، أن التمويل يعد أول عملية تمويل عبر وكالات ائتمان الصادرات بشكل عام، وأول تمويل مع وكالة ائتمان الصادرات الألمانية Euler Hermes تبرمها الوزارة مع بنكين عالميين في الدولار الأمريكي لتوريد حافلات ألمانية الصنع.
ويعمل المركز الوطني لإدارة الدين حاليا على تمكين المشاريع الحكومية الاستراتيجية الكبرى في شتى القطاعات من خلال تأمين التمويل اللازم لها بما يخدم رؤية المملكة 2030.
ومعلوم أن آخر مرة طرقت السعودية سوق القروض الدولارية كان مع قرض الـ16 مليار دولار في 2018 بتكلفة تمويل 75 نقطة أساس فوق الليبور)، وهذا القرض يعد أحد أكبر القروض المجمعة على الإطلاق التي يتم تقديمها في الأسواق الناشئة حينها.
وتم القرض الدولاري هيكلته ليدوم خمسة أعوام، بحيث يحين أجل استحقاقه في 2023 وتم إضافة شريحة تمويل إسلامي بنظام المرابحة إلى القرض، وتم تقليص "هامش تكلفة التمويل" من 103 نقاط أساس مع قرض 2016 إلى 75 نقطة أساس مع قرض 2018 (فوق سعر الفائدة بين بنوك لندن ليبور)
ووصلت رسوم وهوامش الفائدة لقرض 2016 إلى 120 نقطة أساس، وتم تخفيض هذا الرقم إلى 84 نقطة أساس مع قرض 2018، علما بأن "الليبور" يعد نظير "السايبور" للفائدة المقومة بعملة الدولار.

التخطيط المبكر
والتخطيط لقرض ائتمان الصادرات الممزوج بالمعايير الخضراء بدأ من 2018 واستغرق ثلاثة أعوام لتحقيقه بسبب الحاجة لبناء القدرات وكمية المتطلبات الضرورية التي تأتي مع أول تمويل نادر من هذا النوع في السعودية والمنطقة.
وتم أثناء تلك الفترة تدشين شعبة "التمويل البديل" ضمن المركز الوطني لإدارة الدين التي تعنى بدعم برامج القطاع الخاص وتأمين برامج التمويل المدعومة من وكالات ائتمان الصادرات.
وفي أيار (مايو) 2019 خرج "المركز الوطني لإدارة الدين" في مقابلة مع "رويترز" بأنه لا يزال يدرس جمع تمويل مدعوم من وكالات ائتمان صادرات أجنبية، التي تقدم ضمانات قروض، وتقوم في بعض الأحيان بالتمويل لتشجيع التجارة وخفض نفقات أنشطة الأعمال الدولية.
وبين المركز في حينه أنهم بدأوا الاهتمام بمصطلحات ومفردات تخصصية لنموذج تمويل وكالات ائتمان الصادرات، لافتا إلى أنهم يحاولون مطابقة المشروع الصحيح مع التمويل الصحيح الذي ستتم الاستفادة منه.

تعزيز القدرات
وظهرت أولى الإشارات حول اهتمام قيادة المركز الوطني لإدارة الدين في وزارة المالية بمصادر التمويل الجديدة أواخر الربع الرابع من 2018، حيث أعلن في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 عن تعيين "هيروفومي ساكيوكا" كمستشار مؤقت لدى المركز.
وقبل المركز، كان هيروفومي يشغل منصب نائب رئيس قسم وكالات ائتمان التصدير لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في بنك "إم يو إف جي"، فرع لندن.
وأكدت الوزارة عبر بيانها في حينه، عزمها على استقطاب الخبرات المالية على مستوى العالم والاستفادة منها، في إطار العلاقة الاستراتيجية للمركز مع شركائها العالميين.
وأضافت حينها أن هذا التعيين يعكس روابط المملكة القوية بشركائها الماليين، ويؤكد هدفها نحو زيادة تعزيز الكوادر واستراتيجيات المركز لتنويع مصادر التمويل.
وقالت مصادر وفقا لـ"رويترز" في أوائل 2019 إن الهدف من تعيين هيروفومي كان لتنسيق متطلبات تمويل مدعوم من وكالات ائتمان الصادرات لمختلف الوزارات في السعودية وذلك لما يحمله من خبرات متراكمة في هذا المجال الدقيق.

متحصلات القرض المزدوج
وذكر بيان منفصل لأحد البنوك الدولية التي رتبت الإصدار أنه سيتم استخدام عوائد القرض الذي يعد أول قرض أخضر في السعودية مدعوما من وكالة ائتمان الصادرات لشراء حافلات ركاب (باص) من ألمانيا لدعم شبكة المواصلات العامة في المملكة.
وستسهم حافلات الركاب هذه في تخفيف انبعاثات الغازات الضارة والتلوث البيئي، إضافة إلى تخفيف الازدحام المروري في مدينة الرياض من خلال التحول باتجاه استخدام شبكة المواصلات العامة في المملكة.
في حين أشار بيان وزارة المالية إلى أنها، ممثلة في المركز الوطني لإدارة الدين، أنهت بنجاح عملية تمويل شراء 842 حافلة لمصلحة مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام (حافلات الرياض) في الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وذلك بتمويل يقارب المليار ريال.

أسواق القروض الدولارية
وتأتي تلك التطورات النوعية في حركة مؤشرات الفائدة الدولارية بسبب خليط من العوامل أهمها التبعات الاقتصادية لجائحة كوفيد - 19، وكذلك بسبب خفض البنك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة الدولارية هذا العام.
وتمثل هذه الظروف فرصة نادرة للجهات الخليجية من أجل الذهاب مع خيار القروض المصرفية المجمعة أو الثنائية في ظل التوقعات المستقبلية بتدني أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يسهم في تخفيض تكلفة التمويل على تلك الجهات.
وبخلاف التكلفة المتدنية التي توفرها البنوك الدولية لعملائها الخليجيين من أصحاب التصنيفات الائتمانية من الدرجة الاستثمارية، فإن بعض الجهات الحكومية قد تميل إلى خيار الاستدانة الدولارية عبر القروض من أجل عدم مزاحمة القطاع الخاص على السيولة المحلية، لكون القروض في تلك الحالة ستكون مقومة بالعملات المحلية.

أهمية "الليبور" مع تسعير القروض
ويولي العاملون في أسواق النقد القصيرة الأجل وكذلك مصرفيو القروض أهمية بالغة لحركة "الليبور" (سعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن)، وكما هو الحال مع "السايبور"، يعبر "الليبور" عن متوسط سعر الفائدة على المدى القصير.
ويتم تسعير معظم القروض الدولارية وفقا للفائدة المتغيرة التي تعتمد على حركة مؤشر الليبور الذي تتفاوت معدلاته وفقا لآجال متفاوتة، حيث يتم اختيار الفائدة المتغيرة مع القروض المجمعة بشكل عام.
وهامش تكلفة التمويل ثابت، لكن الذي يتغير هو الفائدة الخاصة بمؤشر القياس، بحيث تزداد أو تنخفض الدفعات الدورية مع كل إعادة تقييم re-setting لليبور، التي ستتم خلال أعوام استخدام القرض.
وعلى الرغم من أن الأغلبية العظمى من القروض المجمعة تكون بفائدة متغيرة، إلا أن هناك نسبة ضئيلة من القروض المجمعة تكون بفائدة ثابتة.

ماهية تسعير أدوات الدين؟
ويتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية، حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية.
وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هو هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار وثانيهما هو معدلات مؤشر القياس وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس" يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield وذلك عندما يغلق الإصدار.
مع العلم بأن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.

وحدة التقارير الاقتصادية